للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ وَقَدْ

بَيَّنَّا أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا انْفَرَدَ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ لَا يُعِدُّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلَهُ أَوْ عَمَلَهُ حُجَّةً أَوْ يَتَّخِذُهُ قُدْوَةً فِيهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَعْدَ تَابِعِ التَّابِعِينَ - فَكَيْفَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ فِي الْكِتَابِ السُّنَّةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ مُحَرِّرُ مَذَاهِبِ الْحَنَفِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ، فَذَكَرَ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَفْعِ الدُّعَاءِ وَخِلَافَهُمْ فِي وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَاخْتِيَارَ الْوُصُولِ وَالِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ " إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ " إِلَخْ. وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِإِطْلَاقٍ بَلْ عَلَى عَدَمِهِ كَمَا عَلِمْتَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ سُئِلَ عَمَّنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُهُ أَوْ مِثْلَ ثَوَابِ مَا قَرَأْتُهُ زِيَادَةً فِي شَرَفِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا مَعْنَى الزِّيَادَةِ مَعَ كَمَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: هَذَا مُخْتَرَعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْقُرَّاءِ لَا أَعْرِفُ لَهُمْ سَلَفًا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ كَمَا تَخَيَّلَهُ السَّائِلُ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ: اللهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا إِلَخْ. فَلَعَلَّ الْمُخْتَرِعَ الْمَذْكُورَ قَاسَهُ عَلَى ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ لَحَظَ أَنَّ مَعْنَى طَلَبِ الزِّيَادَةِ أَنْ تُتَقَبَّلَ قِرَاءَتُهُ فَيُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَإِذَا أُثِيبَ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ مِنَ الطَّاعَاتِ كَانَ لِلَّذِي عَلَّمَهُ نَظِيرُ أَجْرِهِ وَلِلْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ، فَهَذَا مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي شَرَفِهِ وَإِنْ كَانَ شَرَفُهُ مُسْتَقِرًّا حَاصِلًا اهـ.

وَنَقُولُ: حَسْبُنَا مِنَ الْحَافِظِ - أَثَابَهُ اللهُ - أَنَّ هَذَا مُخْتَرَعٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَهُوَ إِمَامُ النَّقْلِ وَحَافِظُ السُّنَّةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَمَّا قِيَاسُ هَذَا الدُّعَاءِ عَلَى الدُّعَاءِ بِزِيَادَةِ شَرَفِ الْبَيْتِ فَهُوَ قِيَاسٌ فِي أَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ لَا مَحَلَّ لَهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ مَعْنَى زِيَادَةِ شَرَفِ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمِهِ حَقِيقَةٌ وَاقِعَةٌ بِكَثْرَةِ مَنْ يَحُجُّهُ وَيَعْبُدُ اللهَ فِيهِ، وَزِيَادَةُ ثَوَابِ الْمُعَلِّمِ الْمُرْشِدِ بِعَمَلِ مَنْ أَخَذَ بِعِلْمِهِ وَهَدْيِهِ لَا يُسَمَّى شَرَفًا فِي اللُّغَةِ إِلَّا بِضَرْبٍ مِنَ التَّجَوُّزِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ وَالْبَارِزِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ كَابْنِ عَقِيلٍ تَبَعًا لِعَلِيِّ بْنِ الْمُوَفَّقِ وَكَانَ فِي طَبَقَةِ الْجُنَيْدِ وَلِأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ إِهْدَاءُ ثَوَابِ الْقُرْآنِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِي هُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ الْمُجِيزِينَ، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ قَاضِي شِهْبَةَ: يُمْنَعُ، وَابْنُ الْعَطَّارِ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: لَا يُرْوَى عَنِ السَّلَفِ وَنَحْنُ

بِهِمْ نَقْتَدِي. ثُمَّ قَالَ بِجَوَازِهِ بَلْ بِاسْتِحْبَابِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَانَ يُهْدَى إِلَيْهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمَّا طَلَبَ الدُّعَاءَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَحَثَّ الْأُمَّةَ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْوَسِيلَةِ عِنْدَ الْأَذَانِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدِ اتَّبَعْتَ، وَإِنْ فَعَلْتَ فَقَدْ قِيلَ بِهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>