للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَلَامُ ابْنِ الْجَزَرِيِّ. وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ: الْأَحْوَطُ التَّرْكُ. مِنْ كَنْزِ الرَّاغِبِينَ لِلْبُرْهَانِ التَّاجِيِّ مُلَخَّصًا، فَهَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ، وَحَيَّا اللهُ مُرَجِّحِي اتِّبَاعِ السَّلَفِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ الْأَحْوَطَ فَقَطْ بَلِ الْمُتَعَيَّنُ الَّذِي يَرُدُّ كُلَّ مَا خَالَفَهُ وَيَضْرِبُ بِأَقْيِسَةِ الْمُخَالِفِينَ عُرْضَ الْحَائِطِ، لَا لِمُخَالَفَتِهَا هَدْيَ سَلَفِ الْأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِظُهُورِ بُطْلَانِهَا وَمُصَادَمَتِهَا لِلنُّصُوصِ أَيْضًا فَإِنَّ قِيَاسَ إِهْدَاءِ الْعِبَادَاتِ أَوْ ثَوَابِهَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى إِهْدَاءِ مَتَاعِ الدُّنْيَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَالْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ وَبَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَكَيْفَ وَهُوَ مُصَادِمٌ لِلنَّصِّ، وَحَسْبُنَا اتِّبَاعُ السَّلَفِ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ بِهِ:

فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ ... وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ

ثُمَّ أَقُولُ: وَقَدِ اضْطَرَبَ كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ فِقْهِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى أَحَادِيثِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ فَاغْتَرَّ بِالْإِطْلَاقِ، وَلَكِنَّهُ اهْتَدَى إِلَى الصَّوَابِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى أَحَادِيثِ الْمُنْتَقَى فِي بَابِ مَا يُهْدَى مِنَ الْقُرَبِ إِلَى الْمَوْتَى، وَكُلُّهَا وَارِدَةٌ فِي تَصَدُّقِ الْأَوْلَادِ عَنِ الْوَالِدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ وَالْحَجِّ قَالَ:

" وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنَ الْوَلَدِ تَلْحَقُ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا بِدُونِ وَصِيَّةٍ مِنْهُمَا وَيَصِلُ إِلَيْهِمَا ثَوَابُهَا فَيُخَصِّصُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (٥٣: ٣٩) وَلَكِنْ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِلَّا لُحُوقُ الصَّدَقَةِ مِنَ الْوَلَدِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ مِنْ سَعْيِهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّخْصِيصِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إِلَى الْمَيِّتِ، فَيُوقَفُ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْتِيَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا " ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

هَذَا وَإِنَّنَا نَخْتِمُ هَذَا الْبَحْثَ بِأَحَادِيثَ اغْتَرَّ بِهَا بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِانْتِفَاعِ الْمَوْتَى بِكُلِّ مَا يُعْمَلُ لِأَجْلِهِمْ أَوْ يُهْدَى إِلَيْهِمْ مِنْ ثَوَابِ غَيْرِهِمْ.

(١) حَدِيثُ وَضْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ أُوِحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ أَصْحَابَهُمَا يُعَذَّبَانِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِانْتِفَاعِ الْمَوْتَى بِعَمَلِ الْأَحْيَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَقُومُ دَلِيلًا وَلَا اسْتِئْنَاسًا فَإِنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ فِي أَمْرٍ غَيْبِيٍّ غَيْرِ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَالظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(٢) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ " مَنْ شُبْرُمَةُ؟ " قَالَ: أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ " حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ " حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ " قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ: صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقْفُهُ. وَفِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ: رَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ وَقْفَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ. وَأَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>