إِنَّ فِي سَنَدِهِ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ وَلَمْ يُنْسَبْ عَزْرَةُ إِلَى وَالِدٍ وَلَا بَلَدٍ، وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ: إِنَّ عَزْرَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. فَتَرَجَّحَ بِهَذَا أَنَّهُ عَزْرَةُ بْنُ تَمِيمٍ، لِأَنَّ قَتَادَةَ قَدِ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي التَّهْذِيبِ. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قِصَّةِ شُبْرُمَةَ فَوَقَعَ عِنْدَهُمَا عَزْرَةُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَجَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ عَزْرَةُ بْنُ يَحْيَى، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَوَى قَتَادَةُ أَيْضًا عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَعَنْ عَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ هَذَا - فَقَتَادَةُ قَدْ رَوَى عَنْ ثَلَاثَةٍ كُلٌّ مِنْهُمُ اسْمُهُ عَزْرَةُ، فَقَوْلُ النَّسَائِيِّ فِي التَّمْيِيزِ " عَزْرَةُ الَّذِي رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ لَيْسَ بِذَلِكَ الْقَوِيِّ " لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي عَزْرَةَ بْنِ تَمِيمٍ كَمَا سَاقَهُ فِيهِ الْمُؤَلِّفُ فَلْيُتَفَطَّنْ لِذَلِكَ. (قُلْتُ) وَعَزْرَةُ بْنُ يَحْيَى لَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ اهـ.
وَنَقُولُ: قَدْ تَفَطَّنَّا لِمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فَوَجَدْنَا لِجَرْحِ النَّسَائِيِّ لَهُ مَخْرَجًا، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَعَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ وُثِّقَا. وَالنِّسَائِيُّ مِمَّنْ وَثَّقُوا الْأَوَّلَ. فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُوحُ غَيْرَهُمَا، فَهُوَ إِمَّا ابْنُ تَمِيمٍ وَإِمَّا ابْنُ يَحْيَى الْمَجْهُولُ - فَكَيْفَ نَأْخُذُ بِحَدِيثٍ مَوْقُوفٍ انْفَرَدَ بِهِ مِثْلُ هَذَيْنِ الرَّاوِيَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ لِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةِ.
(٣) حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ " اقْرَءُوا " يس " عَلَى مَوْتَاكُمْ " قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ وَلَفْظُهُ " يس قَلْبُ الْقُرْآنِ لَا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ وَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ " قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي شَرْحِهِ لَهُ: الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِالِاضْطِرَابِ وَبِالْوَقْفِ وَبِجَهَالَةِ حَالِ أَبِي عُثْمَانَ وَأَبِيهِ فِي السَّنَدِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ مَجْهُولُ الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ اهـ.
أَقُولُ: إِنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ لِلْحَدِيثِ لِأَبِي دَاوُدَ وَالْأَخِيرَ لِأَحْمَدَ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّ لَفْظَ ابْنِ مَاجَهْ " اقْرَءُوهَا عِنْدَ مَوْتَاكُمْ " يَعْنِي " يس "، وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي سُنَنِهِ بَلْ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ حِبَّانَ يَتَسَاهَلُ فِي التَّصْحِيحِ فَيُتَثَبَّتُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ لِلنُّقَّادِ فِي مُعَارَضَتِهِ فِيهِ فَكَيْفَ إِذَا صَرَّحَ جَهَابِذَةُ النُّقَّادِ بِمُعَارَضَتِهِ وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي صَرَّحُوا بِعَدَمِ صِحَّتِهِ مُخَالِفًا لِلْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ؟ وَلَكِنَّ الَّذِينَ أَخَذُوا قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَشْمَلُهَا النُّصُوصُ الْعَامَّةُ وَبَيْنَ مَا تَدُلُّ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، بَلْ عَلَى حَظْرِهِ وَكَوْنِهِ بِدْعَةً مُخَالِفَةً لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ قِرَاءَةَ سُورَةِ يس عَلَى الْقُبُورِ قَدْ عَمَّ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ وَصَارَ كَالسُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَّبَعَةِ لِمَا لِلْأَنْفُسِ مِنَ الْهَوَى فِي ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute