وَمِنْ مَنَافِعِ الْهَوَاءِ الَّتِي يَغْفُلُ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْ شُكْرِ الرَّبِّ عَلَيْهَا تَطْهِيرُهُ سَطْحَ الْأَرْضِ الَّتِي نَعِيشُ عَلَيْهَا مِنَ الرُّطُوبَاتِ الْقَذِرَةِ، وَمَا يَتَوَلَّدُ فِيهَا مِنْ جِنَّةِ الْأَحْيَاءِ الضَّارَّةِ " مَيُكْرُوبَاتِ الْأَمْرَاضِ " فَهُوَ يَمْتَصُّهَا وَيَدْفَعُهَا فِي هَذَا الْجَوِّ الْعَظِيمِ فَيَتَفَرَّقُ شَمْلُهَا وَتَزُولُ قُوَّةُ اجْتِمَاعِهَا، وَقَدْ تَمُوتُ مُحْتَرِقَةً بِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ فِيهِ، وَيَنْبَغِي اتِّقَاءُ الْغُبَارِ الَّذِي يَحْمِلُهَا فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ " تَنَكَّبُوا الْغُبَارَ فَإِنَّ مِنْهُ النَّسَمَةَ " وَهِيَ ذَاتُ النَّفْسِ الْحَيَّةِ بَلْ لَوْلَا الْهَوَاءُ لَتَعَذَّرَ أَنْ يَجِفَّ ثَوْبٌ غُسِلَ، بَلْ لَكَانَتِ الْأَرْضُ مَغْمُورَةً بِالْمَاءِ إِذَا أَمْكَنَ أَنْ يُوجَدَ الْمَاءُ بِغَيْرِ الْهَوَاءِ، وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا مَعْرُوفَةٌ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُزْدَوِجٌ بِالْآخَرِ فَالْهَوَاءُ يَتَخَلَّلُ الْمِيَاهَ، وَالْمُجَاوِرُ مِنْهُ لِلْأَرْضِ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ وَهُوَ يَقِلُّ فِيهِ وَيَكْثُرُ بِحَسَبِ بُعْدِهِ عَنِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَقُرْبِهِ مِنْهَا، وَمِمَّا أَثْبَتَهُ عُلَمَاءُ الْكَوْنِ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ بُخَارَ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ يَقِلُّ فِي الطَّبَقَاتِ الْعُلْيَا مِنَ الْجَوِّ كَقُلَلِ الْجِبَالِ وَمَا فَوْقَهَا فَإِنَّ عُنْصُرَ (الْأَيُدْرُوجِينِ) وَهُوَ الْمُوَلِّدُ لِلْمَاءِ يَكْثُرُ كَثْرَةً عَظِيمَةً فِي أَعْلَى كُرَةِ الْهَوَاءِ، وَيَقِلُّ الْأُكْسُجِينُ فِي طَبَقَاتِ
الْجَوِّ الْعُلْيَا وَيَكْثُرُ بِجِوَارِ الْأَرْضِ لِثِقْلِهِ النَّوْعِيِّ فَهُوَ أَثْقَلُ مِنْ صِنْوِهِ النِّيتْرُوجِينِ وَذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَمِنَ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْهَوَاءَ يَتَحَوَّلُ بِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَالضَّغْطِ إِلَى مَاءٍ ثُمَّ إِلَى جَلِيدٍ - كَمَا أَنَّ الْمَاءَ يَتَبَخَّرُ بِالْحَرَارَةِ حَتَّى يَكُونَ هَوَاءً أَوْ كَالْهَوَاءِ فِي لَطَافَتِهِ وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَحْسَبُونَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا، وَعُلَمَاءُ الْعَرَبِ فَرَّقُوا بَيْنَ بُخَارِ الْمَاءِ وَكُرَةِ الْهَوَاءِ. وَلَكِنَّ اسْمَ الْبُخَارِ فِي لُغَتِهِمْ يَشْمَلُ كُلَّ الْمَوَادِّ اللَّطِيفَةِ الَّتِي تَصْعَدُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْعَصْرِ " الْغَازَاتِ " وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِي الْهَوَاءِ مِنْ حَيْثُ حَجْمِهِ لَا ثِقْلِهِ ٢١ جُزْءًا فِي الْمِائَةِ مِنَ الْأُكْسُجِينِ و٨٧ فِي الْمِائَةِ مِنَ النِّيتْرُوجِينِ وَوَاحِدًا فِي الْمِائَةِ مِنَ الْأَرْغُونِ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ تَكُونُ هِيَ الْغَالِبَةَ فِي الْهَوَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلْأَرْضِ وَهِيَ ضَرُورِيَّةٌ لِحَيَاةِ أَكْثَرِ الْأَحْيَاءِ حَيَاةً صَالِحَةً مُعْتَدِلَةً، فَإِذَا زَادَ الْأُكْسُجِينُ زِيَادَةً كَبِيرَةً أَوْ نَقُصَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ لَمْ يَعُدْ صَالِحًا لِحَيَاةِ الْأَحْيَاءِ بَلْ يَصِيرُ نَارًا مُحْرِقَةً أَوَسُمًّا زُعَافًا. فَكَوْنُ النِّيتْرُوجِينِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْأُوكْسُجِينِ فِي حَجْمِ الْهَوَاءِ ضَرُورِيٌّ لِتَعْدِيلِهِ وَجَعْلِهِ صَالِحًا لِذَلِكَ.
وَالنِّيتْرُوجِينُ ضَرُورِيٌّ لِلْحَيَاةِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ صَالِحًا لِلْحَيَاةِ - فَهُوَ إِذَا وُضِعَ فِيهِ حَيَوَانٌ أَوْ نَبَاتٌ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يَمُوتَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ سَامٍّ - وَضَرُورَتُهُ لِلْحَيَاةِ مِنْ حَيْثُ تَعْدِيلِهِ لِلْأُكْسُجِينِ وَمَنْعِهِ إِيَّاهُ مِنَ الطُّغْيَانِ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ فِي ذَاتِهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْغِذَاءِ لِلْحَيَوَانَاتِ وَلَا سِيَّمَا الْعُلْيَا مِنْهَا وَأَعْلَاهَا الْإِنْسَانُ، فَإِذَا خَلَا طَعَامُهَا مِنَ الْمَادَّةِ النِّيتْرُوجِينِيَّةِ لَمْ يَكْفِ لِحَيَاتِهَا بِهِ.
وَالنِّيتْرُوجِينُ يُوجَدُ فِي أَجْسَامِ النَّبَاتِ كَمَا يُوجَدُ فِي لَحْمِ الْحَيَوَانِ وَبَيْضِهِ وَلَبَنِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute