للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٥٣: ١٣) فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللهُ عَلَيْهَا إِلَّا هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. فَقَالَتْ أَوْ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (٦: ١٠٣) أَوْ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤٢: ٥١) ؟ قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَغْتَ رِسَالَتَهُ (٥: ٦٧) قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ (٢٧: ٦٥) .

فَعَائِشَةُ وَهِيَ مِنْ أَفْصَحِ قُرَيْشٍ تَسْتَدِلُّ بِنَفْيِ الْإِدْرَاكِ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ مَعَ مَا عَلِمَ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَتَسْتَدِلُّ عَلَى نَفْيِهَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَقَدْ حَمَلُوا هَذَا وَذَاكَ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ إِدْرَاكَ الْأَبْصَارِ لِلرَّبِّ - سُبْحَانَهُ - مُحَالٌ فِي الْآخِرَةِ كَالدُّنْيَا، وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ لِمُثْبِتِي الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا أَنَّ الْبَشَرَ لَا يَقْوَى خَلْقُهُ الدُّنْيَوِيُّ الْمُعَدُّ لِلْفَنَاءِ، وَلَا يُطِيقُ رُؤْيَةَ الرَّبِّ - تَعَالَى - كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُقَوِّيهِ بَعْضُ الشَّوَاهِدِ الْأُخْرَى، وَفِي بَحْثٍ ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَتْوَى.

(٦) وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ،

وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ. حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةٍ النَّارُ. لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " وَالْمَعْنَى: أَنَّ النُّورَ الْعَظِيمَ هُوَ الْحِجَابُ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَهُوَ بِقُوَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ مُلْتَهِبٌ كَالنَّارِ؛ وَلِذَلِكَ رَأَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ نَارًا فِي شَجَرَةٍ تَوَجَّهَ هَمُّهُ كُلُّهُ إِلَيْهَا فَنُودِيَ بِالْوَحْيِ مِنْ وَرَائِهَا، وَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْجَبَلَ كَانَ فِي وَقْتِ تَكْلِيمِ الرَّبِّ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِيتَائِهِ الْأَلْوَاحَ مُغَطًّى بِالسَّحَابِ

"

<<  <  ج: ص:  >  >>