للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بُعِثَ بِأَلْسِنَتِهِمْ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ بُعِثَ بِلِسَانِ قَوْمِهِ خَاصَّةً دُونَ أَلْسِنَةِ الْعَجَمِ؟ ؟ .

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَالدّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَإِذَا كَانَتِ الْأَلْسِنَةُ مُخْتَلِفَةً بِمَا لَا يَفْهَمُهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ تَبَعًا لِبَعْضٍ، أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي اللِّسَانِ الْمُتَّبَعِ عَلَى التَّابِعِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْفَضْلِ فِي اللِّسَانِ مَنْ لِسَانُهُ لِسَانُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا يَجُوزُ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ أَهْلُ لِسَانِهِ أَتْبَاعًا لِأَهْلِ لِسَانٍ غَيْرِ لِسَانِهِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، بَلْ كُلُّ لِسَانٍ تَبَعٌ لِلِسَانِهِ وَكُلُّ أَهْلِ دِينٍ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِمُ اتِّبَاعُ دِينِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ. قَالَ اللهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكِ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (٢٦: ١٩٢ - ١٩٥) وَقَالَ: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا حُكْمًا عَرَبِيًّا (١٣: ٣٧) وَقَالَ: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا (٤٢: ٧) وَقَالَ تَعَالَى: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٤٣: ١ - ٣) .

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَأَقَامَ حُجَّتَهُ بِأَنَّ كِتَابَهُ عَرَبِيٌّ فِي كُلِّ آيَةٍ ذَكَرْنَاهَا، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ نَفَى جَلَّ وَعَزَّ عَنْهُ كُلَّ لِسَانٍ غَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٦: ١٠٣) وَقَالَ: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ (٤١: ٤٤) .

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَعَرَّفَنَا قَدْرَ نِعَمِهِ بِمَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ مَكَانَةٍ فَقَالَ تَعَالَى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ. . . (٩: ١٢٨) الْآيَةَ، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ (٦٢: ٢) الْآيَةَ وَكَانَ مِمَّا عَرَّفَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ إِنْعَامِهِ أَنْ قَالَ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (٤٣: ٤٤) فَخَصَّ قَوْمَهُ بِالذِّكْرِ مَعَهُ بِكِتَابِهِ وَقَالَ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢٦: ٢١٤) وَقَالَ: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا (٤٢: ٧) وَأُمُّ الْقُرَى

مَكَّةُ وَهِيَ بَلَدُهُ وَبَلَدُ قَوْمِهِ، فَجَعَلَهُمْ فِي كِتَابِهِ خَاصَّةً، وَأَدْخَلَهُمْ مَعَ الْمُنْذَرِينَ عَامَّةً، وَقَضَى أَنْ يُنْذَرُوا بِلِسَانِهِمُ الْعَرَبِيِّ لِسَانِ قَوْمِهِ مِنْهُمْ خَاصَّةً.

" فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مَا بَلَّغَهُ جُهْدُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَتْلُوَ بِهِ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى، وَيَنْطِقَ بِالذِّكْرِ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْبِيرِ، وَأَمَرَ بِهِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا ازْدَادَ مِنَ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لِسَانَ مَنْ خَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ آخِرَ كُتُبِهِ، كَانَ خَيْرًا لَهُ، كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>