للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الصَّلَاةَ وَالذِّكْرَ فِيهَا، وَيَأْتِيَ الْبَيْتُ وَمَا أُمِرَ بِإِتْيَانِهِ وَيَتَوَجَّهَ لِمَا وُجِّهَ لَهُ، وَيَكُونَ تَبَعًا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ وَنُدِبَ إِلَيْهِ لَا مَتْبُوعًا.

" قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَإِنَّمَا بَدَأْتُ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ إِيضَاحِ جُمَلِ عِلْمِ الْكِتَابِ أَحَدٌ جَهِلَ سَعَةَ لِسَانِ الْعَرَبِ وَكَثْرَةَ وُجُوهِهِ، وَجِمَاعَ مَعَانِيهِ وَتَفَرُّقَهَا. وَمَنْ عَلِمَهَا انْتَفَتْ عَنْهُ الشُّبَهُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى مَنْ جَهِلَ لِسَانَهَا، فَكَانَ تَنْبِيهُ الْعَامَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ خَاصَّةً نَصِيحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ فَرْضٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ، أَوْ إِدْرَاكُ نَافِلَةِ خَيْرٍ لَا يَدَعُهَا إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، وَتَرَكَ مَوْضِعَ حَظِّهِ، فَكَانَ يَجْمَعُ مَعَ النَّصِيحَةِ لَهُمْ قِيَامًا بِإِيضَاحِ حَقٍّ، وَكَانَ الْقِيَامُ بِالْحَقِّ وَنَصِيحَةُ الْمُسْلِمِينَ طَاعَةً لِلَّهِ، وَطَاعَةُ اللهِ جَامِعَةٌ لِلْخَيْرِ " اهـ. ثُمَّ ذَيَّلْنَا هَذَا النَّقْلَ بِمَا نَذْكُرُ هُنَا مُلَخَّصَهُ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَةِ الْأُصُولِ الشَّهِيرَةِ الْمَطْبُوعَةِ بِمِصْرَ بِنَصِّهَا، وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنَّ هَذَا مَذْهَبٌ لَهُ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، كَلَّا إِنَّهُ إِجْمَاعٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَقَدِ اشْتُهِرَتْ رِسَالَتُهُ هَذِهِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ إِذْ كَانَتْ هِيَ أَوَّلُ مَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ دُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يُخَالِفْهُ وَلَمْ يُنَاقِشْهُ أَحَدٌ فِيهَا، وَلَا فِيمَا أَوْرَدَهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا، وَأَوْضَحُ الْأَدِلَّةِ عَلَى هَذَا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى التَّعَبُّدِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَمْ يَشِذَّ عَنْ هَذَا سُنِّيٌّ وَلَا شِيعِيٌّ وَلَا إِبَاضَيٌّ وَلَا خَارِجِيٌّ وَلَا مُعْتَزِلِيٌّ.

نَعَمْ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَصَّرُوا فِي دِرَاسَةِ هَذِهِ اللُّغَةِ بَعْدَ ضَعْفِ الْخِلَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَتَغَلُّبِ الْأَعَاجِمِ، فَعَطَّلُوا بِذَلِكَ بَعْضَ مَا أَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَالْعِبْرَةِ وَالِاتِّعَاظِ

بِآيَاتِهِ وَفَهْمِ عَقَائِدِهِ وَفِقْهِ أَحْكَامِهِ، وَلَكِنْ رُوِيَ قَوْلٌ شَاذٌّ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بِجَوَازِ أَدَاءِ بَعْضِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ فِيهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ مَا يَجِبُ مِنْهُمَا أَيْ مِنَ الْأَفْرَادِ لِضَعْفٍ فِي نُطْقِهِ وَفَهْمِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، عَلَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالضَّرُورَةِ الشَّخْصِيَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ بِإِطْلَاقِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَسَعُ أَيُ شَعْبٍ أَعْجَمِيٍّ أَنْ يَسْتَغْنِيَ فِي دِينِهِ عَنْ لُغَةِ كِتَابِهِ وَسُنَّتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ جَمِيعَ مُقَلِّدِيهِ مِنَ الْأَعَاجِمِ لَا يَزَالُونَ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَأَذْكَارَ الصَّلَاةِ وَالْحَجَّ وَغَيْرَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ خُطْبَةُ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ وَالْعِيدَيْنِ إِلَّا مَا شَذَّتْ بِهِ الْحُكُومَةُ الْكَمَالِيَّةُ التُّرْكِيَّةُ فَأَمَرَتِ الْخُطَبَاءَ بِأَنْ يَخْطُبُوا بِالتُّرْكِيَّةِ تَمْهِيدًا لِلصَّلَاةِ بِهَا لِخَلْعِ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ جَمَاعَةَ الْمُصَلِّينَ مِنَ التُّرْكِ لَمَّا سَمِعُوا خُطْبَةَ الْجُمْعَةِ بِالتُّرْكِيَّةِ نَكِرُوهَا، وَنَفَرُوا مِنْهَا وَاتَّخَذُوا خُطَبَاءَهَا سِخْرِيًّا ; لِأَنَّ لِلْعَرَبِيَّةِ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحِهِمْ يَخْشَعُونَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا كُلَّ عِبَارَاتِهَا ; وَلِأَنَّهُمُ اعْتَادُوا أَنْ يَسْمَعُوهَا بِنَغَمٍ خَاصٍّ وَأَدَاءٍ خَاصٍّ لَا تَقْبَلُهُ اللُّغَةُ التُّرْكِيَّةُ كَالْعَرَبِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>