للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالرَّذَائِلِ - وَيَصِحُّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا (٤٢: ١٣) إِلَخْ: (وَالثَّانِي) خَاصٌّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى السِّيَاقِ سَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَكَذَا غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الَّتِي كَانَتْ مَجْهُولَةً عِنْدَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَوْمِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ خَاصَّةً ; وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهَا أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٦: ١٩٧) كَمَا قَالَ عَقِبَ قِصَّةِ مُوسَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ مُخَاطِبًا لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُحْتَجًّا عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ (٢٨: ٤٤) الْآيَاتِ.

فَهَلْ يَصِحُّ لِذِي عِلْمٍ أَوْ فَهْمٍ أَنْ يَقُولَ فِي الْآيَةِ إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنَّ التَّرْجَمَةَ مَعَ هَذَا تُسَمَّى قُرْآنًا، وَكَلَامَ اللهِ، وَيُتَعَبَّدُ بِهَا، خِلَافًا لِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيَّةِ، وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مُنْذُ وُجِدَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ؟ ! لَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنَّ فَوْضَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ يَصِحُّ مَعَهَا مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا عَنِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، كَمَا صَحَّ لِعَالِمٍ أَزْهَرِيٍّ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ رَجَّحَ الْقَوْلُ الَّذِي رَأَيْتُ أَنَّهُ حَكَاهُ حِكَايَةً بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ، وَلَا فِي قَوَاعِدِ اللُّغَةِ مَا يَمْنَعُ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَدْ عَلِمْتُ قَطْعًا أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ، وَالْمُتَبَادِرَ مِنَ اللُّغَةِ يَمْنَعُ ذَلِكَ! ! ! .

(الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُ هَذَا الْأَزْهَرِيِّ " وَإِنْ رَجَعْنَا إِلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ - ; لِأَنَّ الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ مِنْ مَبَاحِثِهِمْ - رَأَيْنَا الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ لِلْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَنْطِقَ بِالْقُرْآنِ مُتَرْجَمًا إِلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ إِذَا أَرَادَ الْقُرْآنَ بِهِ صِحَّتْ صَلَاتُهُ، وَعِنْدَمَا يَنْطِقُ بِهِ قِرَاءَةً وَقُرْآنًا، وَأَنَّهُ يَجُوزُ وُجُودُ جَمَاعَةٍ تُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ يَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ، وَيَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّونَ بِهِ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ، كَذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا مِنَ السُّورِ مَا دَامُوا لَا يُحْسِنُونَ الْعَرَبِيَّةَ " اهـ.

يَا لَلْعَجَبِ وَيَا لِلْفَوْضَى: الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ لِلْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي

الصَّلَاةِ مُتَرْجَمًا إِلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَيُسَمِّي التَّرْجَمَةَ قُرْآنًا؟ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ إِقَامَةَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْعَامَّةِ فِي الْمَسْجِدِ بِإِمَامٍ يَقْرَأُ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ، وَجَمَاعَةٍ يَقْرَؤُونَ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا مِنَ السُّورِ؟ وَمَاذَا بَقِيَ؟ إِذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بِاللِّسَانِ الْأَعْجَمِيِّ لِلْإِمَامِ وَلِلْجَمَاعَةِ وَلِلْأَفْرَادِ بِمِثْلِ هَذَا الْإِطْلَاقِ الَّذِي حَكَاهُ هَذَا الْعَالِمُ الْأَزْهَرِيُّ عَنِ الْأُمِّ، فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ الْبَيَانِ الْمُفَصَّلِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْأُصُولِ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِ الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا، وَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ لِيَقْرَأَهُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ إِلَخ؟ .

(وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ أَنَّ صَاحِبَهَا تَقَوَّلَ عَلَى الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَقُلْ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>