للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَادَةُ الْمُنْتَمِينَ إِلَى مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ لِحِكَايَةِ كُلِّ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ مِنْ قَوِيٍ وَضَعِيفٍ لَمْ يَنْقُلْهُ، وَلَوْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَلَهُ كَثِيرٍ مِنَ النُّقُولِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَا يَحْمِلُ تَبِعَتَهَا لِإِشَارَتِهِ إِلَى ضَعْفِهَا.

(ثَانِيًا) أَنَّ سَبَبَ إِشَارَتِهِ إِلَى ضَعْفِهِ هُوَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمَعَانِي بِمَا ذَكَرُوهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا مِنْ دُونِهِ فِي عِلْمِ اللُّغَةِ وَالدِّينِ، أَعْنِي أَنْ تَكُونَ مَعَانِيهُ هِيَ مَدْلُولُ كَلِمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، بِأَنْ تَكُونَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ - وَهِيَ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ - مَوْجُودَةً فِي التَّوْرَاةِ بِهَذَا النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ وَلَكِنْ بِأَلْفَاظٍ عِبْرَانِيَّةٍ ; إِذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ الْقُرْآنُ تَرْجَمَةً لِلتَّوْرَاةِ، وَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ هُوَ التَّوْرَاةُ، وَلَا نُطِيلُ فِي بَيَانِ وُجُوهِ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ وَبُطْلَانِهِ، وَمَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مُرَادًا مِنَ الْأَبَاطِيلِ كَاحْتِجَاجِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِكِتَابٍ جَدِيدٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ بَلْ بِتَرْجَمَةِ بَعْضِ التَّوْرَاةِ.

(ثَالِثًا) إِنْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذَا مُرَادٌ فِي بَعْضِ الْقُرْآنِ كَقِصَّةِ مُوسَى الَّتِي فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَوْ مُطْلَقًا دُونَ الْفَاتِحَةِ، وَمِثْلِ قِصَّةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَأَنَّ مَنْ قَرَأَ قِصَّةَ مُوسَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ مُتَرْجَمَةً بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا - عَلَى كَوْنِهِ - لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا عَلَى حَقِيقَتِهِ - لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ كَمَا أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ الْقِصَّةَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ التَّوْرَاةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُ الْخِلَافِ. وَإِنَّمَا قُصَارَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْ تَجُوزَ قِرَاءَةُ عِبَارَةِ التَّوْرَاةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا جَوَازُ تَرْجَمَتِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ مَثَلًا، وَلَمْ يَقُلْ بِالْأَصْلِ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَصِحَّ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِ. وَهَاهُنَا مَجَالٌ وَاسِعٌ لِلتَّجْهِيلِ وَالسُّخْرِيَةِ بِمَنٍّ يَتَهَوَّكُونَ مِثْلَ هَذَا التَّهَوُّكِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَيَنْشُرُونَهُ عَلَى النَّاسِ فِي مَسْأَلَةٍ عَظِيمَةٍ كَهَذِهِ نَتْرُكُهُ عَفْوًا عَنْهُمْ.

(رَابِعًا) اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآيَةِ مُقَدَّرٌ فِيهِ مُضَافٌ قَبْلَ ضَمِيرِ الْقُرْآنِ، وَمُضَافٌ قَبْلَ ضَمِيرِ الْقُرْآنِ، وَمُضَافٌ قَبْلَ زُبُرِ الْأَوَّلِينَ - كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ - وَالْمَعْنَى: وَإِنَّ ذِكْرَهُ أَوْ خَبَرَهُ أَوْ دَلِيلَ صِدْقِهِ - مَثَلًا - لَثَابِتٌ فِي بَعْضِ زُبُرِ الْأَوَّلِينَ. وَلَهُمْ فِي الضَّمِيرِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ الْقُرْآنُ - وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ السِّيَاقِ قَبْلَهُ - (وَالثَّانِي) : أَنَّهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَمَا قَالَ: يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ

(٧: ١٥٧) .

(خَامِسًا) أَنَّ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ فِي كُتُبِ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ قِسْمَانِ: (أَحَدُهُمَا) عَامٌّ يُوجَدُ فِيهَا كُلِّهَا وَهُوَ أُصُولُ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ الْمُطْلَقِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَا يُقَابِلُ ذَلِكَ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي

<<  <  ج: ص:  >  >>