للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ يُبَيِّنُ لَهُ مَا يُرْشِدُهُ لِلْحَقِّ وَيَهْدِيهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لَا بِخُصُوصِ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى.

وَاقْتُصِرَ فِي الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ السَّمَاعِ ; لِأَنَّهَا مُسَوِّقَةٌ لِبَيَانِ حَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ اللَّسَنِ وَالْبَلَاغَةِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا يَتَنَاوَلَهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُرَادُ: حَتَّى يَنْصَاعُوا لِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ.

" وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا سَلَفَ حُكْمَ تَرْجَمَةِ كُتُبِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَنَّ بَعْثَهَا إِلَى الْكُفَّارِ مُشْتَمِلَةً عَلَى بَعْضِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ التَّرْجَمَةِ الْحَرْفِيَّةِ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَرْجَمَةُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ نَحْوِ الْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ تَرْجَمَةً تَفْسِيرِيَّةً لَا حَرْفِيَّةً، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا حَرْفِيَّةٌ فَهِيَ لَمْ تَذْكُرْ فِي الْكُتُبِ عَلَى أَنَّهَا نَظْمٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَا قُصِدَ بِهَا تِلَاوَتُهُ بَلْ سِيقَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى حُكْمِهَا ضِمْنَ كُتُبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اهـ.

شُبَهَاتُ مِنْ أَبَاحَ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الزَّمَانِ

قَدْ كَانَ مِمَّا نَشْكُو مِنْ فَوْضَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَتَبُوا مَقَالَاتٍ فِي الْجَرَائِدِ خَالَفُوا فِيهَا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مُنْذُ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ إِلَى الْيَوْمِ فَزَعَمُوا أَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ مُبَاحَةٌ، وَجَاءُوا بِشُبَهَاتٍ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى رَأْيِهِمْ، بَعْضُهَا آرَاءٌ لَهُمْ، وَبَعْضُهَا أَقْوَالٌ مِنَ الْكُتُبِ لَمْ يَفْهَمُوهَا، فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَلَوْ دَلَّتْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ حُجَّةً ; لِأَنَّهَا كَآرَائِهِمْ، وَمَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ بِرَأْيِهِ بِنَاءً رَفَعَ سَمْكَهُ الْقُرْآنُ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ قَوْلًا وَعَمَلًا.

(الشُّبْهَةُ الْأَوْلَى) مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِإِمَامِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي كَانَ خَطَرَ لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ لَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَلَا عَمَلَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ. أَعْنِي مَا سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِرَارًا مِنْ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْعَاجِزِ عَنِ النُّطْقِ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَعْنِي بِمَا اسْتُدِلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (٢٦: ١٩٦) قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ فِي تَفْسِيرِهَا: وَإِنَّ الْقُرْآنَ - يَعْنِي ذِكْرَهُ - مُثْبَتٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعَانِيَهُ فِيهَا، وَبِهِ يُحْتَجُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قِيلَ: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ لِكَوْنِ مَعَانِيهِ فِيهَا اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ آخَرُونَ كَصَاحِبِ التَّفْسِيرَاتِ الْأَحْمَدِيَّةِ. وَصَاحِبِ فَتْحِ الْبَيَانِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بَعْضُ الْأَزْهَرِيِّينَ فِي الْجَرَائِدِ عِنْدَمَا دَارَ الْجِدَالُ فِي حُكْمِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِاللُّغَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ وَادَّعَى أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ فَهِمَ هَذَا مِنَ الْآيَةِ.

وَنَقُولُ فِي رَدِّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ: (أَوَّلًا) إِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا مِنَ الْآيَةِ، بَلْ فَهِمَ غَيَرَهُ، وَنَقَلَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَالتَّضْعِيفِ " قِيلَ " وَإِنَّمَا الَّذِي فَهِمَهُ وَاعْتَمَدَهُ مَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ لَوْلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>