للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ بِالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَكِتَابَتِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَكِتَابَتُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ ; وَلِذَلِكَ أَوْجَبُوا تَعَلُّمَ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا ائْتَمَّ بِمَنْ يُحْسِنُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمُخْتَارُ سُقُوطُهَا وَسُقُوطُ الْقِيَامِ لَهَا وَقِيلَ: يَجِبُ قِيَامُهُ بِقَدْرِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الذِّكْرِ.

" إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَلَا قِرَاءَتُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِعَاجِزٍ أَوْ قَادِرٍ، لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجِهَا، إِلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنِ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ لِلْعَاجِزِ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ وَتَصْحِيحَ الثِّقَاتِ رُجُوعَ الْإِمَامِ عَنْهُ.

" وَمِنْ ذَلِكَ تَعُلُّمُ مَا فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكَافِي مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (إِنِ اعْتَادَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا بِهَا يُمْنَعُ، وَإِنْ فَعَلَ فِي آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ لَا فَإِنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَ كُلِّ حَرْفٍ وَتَرْجَمَتِهِ جَازَ اهـ.

" فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالتَّرْجَمَةِ التَّرْجَمَةَ الْحَرْفِيَّةَ لِلْقُرْآنِ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا ذُكِرَ مَعَهَا تَفْسِيرٌ أَوْ لَمَ يُذْكَرْ ; لِأَنَّهَا تَحْرِيفٌ وَتَغْيِيرٌ لِلنَّظْمِ لَا يَدْفَعُهُ اقْتِرَانُ التَّفْسِيرِ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّرْجَمَةَ التَّفْسِيرِيَّةَ فَهَذِهِ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا بِالشَّرْطِ الَّذِي بَيَّنَاهُ، وَلَيْسَتْ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ، عَلَى أَنَّ نُصُوصَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ تُخَالِفُهُ.

وَلِذَلِكَ أَفْتَى صَاحِبُ الْفَضِيلَةِ الْأُسْتَاذُ شَيْخُ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ بِمَنْعِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ، وَوُجُوبِ مُصَادَرَةِ الْمُصْحَفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّرْجَمَةِ الْحَرْفِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا تَرْجَمَةٌ

تَفْسِيرِيَّةٌ.

" وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جَوَازِ التَّرْجَمَةِ الْحَرْفِيَّةِ أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ (٩: ٦) فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى كَمَا ذَكَرَهُ الْآلُوسِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُشْرِكَ إِذَا طَلَبَ الْأَمَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ يُؤْمِنُ حَتَّى يَتَدَبَّرَ الْأَمْرَ وَيَتَّعِظَ بِمَا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنْ هَدْيِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُ اللهِ وَكَلَامُهُ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَعْرَفِ النَّاسَ بِدَلَالَتِهَا وَأَعْلَمِهِمْ بِبَرَاعَةِ أُسْلُوبِهَا وَبَلَاغَةِ نَظْمِهَا، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَآمَنُوا بِهِ وَهُمْ لِإِعْجَازِهِ مُذْعِنُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>