للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَتْلُوَ بِهِ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى، وَيَنْطِقَ بِالذِّكْرِ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْبِيرِ، وَأُمِرَ بِهِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ " إِلَخْ.

هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ أَنْ أَطَالَ فِي كَوْنِ كُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ عَرَبِيٌّ، وَكَتُبَ مَذْهَبَهُ مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ كَسَائِرِ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ وَأَتْبَاعُهُ أَشُدُّهُمْ فِيهَا - أَلَيْسَ مِنَ الْعَجِيبِ مَعَ هَذَا أَنْ يَتَجَرَّأَ عَالِمٌ أَزْهَرِيٌّ فَيَعْزُوَا إِلَى رِوَايَةِ الْأُمِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا يَأْتِي عَلَى إِطْلَاقِهِ:.

(١) إِنَّ لِلْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَنْطِقَ بِالْقُرْآنِ مُتَرْجَمًا إِلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ.

(٢) وَإِنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ إِذَا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ بِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وُعُدَّ مَا يَنْطِقُ قِرَاءَةً وَقُرْآنًا.

(٣، ٤) وَإِنَّهُ يَجُوزُ وُجُودُ جَمَاعَةٍ تُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ يَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ

بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَغَيْرَهَا مِنَ السُّورِ مَا دَامُوا لَا يُحْسِنُونَ الْعَرَبِيَّةَ.

أَيْنَ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ التَّرْجَمَةَ وَأَبَاحَهَا لِلْأَعْجَمِيِّ؟ اللهُمَّ هَذَا افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ.

أَيْنَ أَجَازَ الشَّافِعِيُّ إِقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ يَقْرَأُ إِمَامُهُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ إِلَخْ؟ وَعِبَارَتُهُ الْمَنْقُولَةُ عَنْهُ آنِفًا صَرِيحَةٌ فِي كَوْنِ عَجْزِ الْأَعْجَمِيِّ عَنِ الْإِفْصَاحِ وَلَوْ بِبَعْضِ الْفَاتِحَةِ عُذْرًا لَهُ دُونَ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ مَعَهُ، وَعَدَمُ الْإِفْصَاحِ بِالْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ شَيْءٌ وَالتَّرْجَمَةُ بِلِسَانٍ عَجَمِيٍّ شَيْءٌ آخَرُ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ عِبَارَةَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ خَاصَّةٌ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ النُّطْقَ بِالْقُرْآنِ، وَمَا يُعْذَرُ بِهِ هُوَ وَمَنْ يَأْتَمُّ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا الْعَجْزِ مَعْهُودٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ نَسْمَعُهُ بِآذَانِنَا مِمَّنْ يَتَعَلَّمُونَ لُغَةً غَيْرَ لُغَتِهِمْ وَلَا يُتْقِنُونَهَا مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ، فَهُمْ يُحَرِّفُونَ وَيَلْحَنُونَ وَيَخْلِطُونَ أَلْفَاظًا مِنَ اللُّغَةِ الَّتِي يُجِيدُونَهَا بِاللُّغَةِ الَّتِي لَا يُجِيدُونَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ، وَنُعِيدُ الْقَوْلَ وَنُؤَكِّدُهُ بِأَنَّ تَعَمُّدَ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ بِهِ لَا تَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَمْ تَخْطُرْ بِبَالِ أَحَدٍ مِنْ أَحَدِ أَتْبَاعِهِ فِي مَذْهَبِهِ عِنْدَمَا شَرَحُوا كَلَامَهُ، وَفَصَّلُوا أَحْكَامَهُ، وَلَا تَخْطُرُ بِبَالِ أَيِّ قَارِئٍ لَهُ يَفْهَمُ مَا يَقْرَأُ.

(الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الدَّلَائِلَ عَلَى وُجُوبِ فَهْمِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرِهِ فِيهَا وَفِي خَارِجِهَا صَرِيحَةٌ، وَالْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِيهَا مُحْكَمَةٌ، وَلَا يَتِمُّ أَدَاءُ هَذَا الْوَاجِبِ إِلَّا بِتَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِلُغَاتِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الْعَجَمِيَّةِ الَّتِي تُدِينُ بِالْإِسْلَامِ. وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْفَهْمَ وَالتَّدَبُّرَ وَمَا يُرَادُ بِهِمَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالِاعْتِبَارِ إِنَّمَا يَتِمُّ بِتَعَلُّمِ الْمُسْلِمِينَ لِلُغَةِ الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ لَا بِتَحْوِيلِ الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ إِلَى لُغَاتِهِمْ كُلِّهَا، كَمَا فَصَّلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَةِ الْأُصُولِ، وَأَقَرَّهُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ لَسَبْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>