للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِجْمَاعِ وَجَرَيَانِ الْعَمَلِ عَلَى ذَلِكَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ تَرْجَمَةً صَحِيحَةً تُؤَدِّي مَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي وَالتَّأْثِيرِ كَمَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى مُتَعَذِّرَةٌ وَمُسْتَلْزِمَةٌ لِتَغْيِيرِ كَلَامِ اللهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ وَسَنَدٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ تَابِعِينَ لِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى دُونَ أَنْ يَكُونَ مَا أَنْزَلَهُ تَعَالَى تَابِعًا لِلُغَاتِهِمْ. وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يُؤْثِرَ الْمُؤْمِنُ بِاللهِ وَبِكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ لُغَةَ قَوْمِهِ عَلَى لُغَةِ

كِتَابِ اللهِ وَرَسُولِهِ ; وَلِهَذَا كَانَ قُدَمَاءُ الْعَجَمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُزَاحِمُونَ الْعَرَبَ بِالْمَنَاكِبِ فِي تَلَقِّي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَعْرَابِ الْبَادِيَةِ، وَفِي جَمِيعِ عُلُومِهَا وَفُنُونِهَا وَآدَابِهَا كَعُلُومِ الشَّرِيعَةِ نَفْسِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ كَانَ بُرْهَانِيًّا وِجْدَانِيًّا، وَمَا أَحْدَثَ التَّنَافُسَ بَيْنَ لُغَةِ الدِّينِ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ وَلُغَةِ الْآبَاءِ مِنَ الْعَجَمِ إِلَّا بَعْضُ زَنَادِقَةِ الْفُرْسِ الْأَوَّلِينَ وَمَلَاحِدَةِ التُّرْكِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا قُدَمَاءُ مُسْلِمِي التُّرْكِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَفُنُونِهَا فَكَانَتْ آفَتُهُمُ الْجَهْلَ، فَالْخَوْفَ مِنْ عَوْدَةِ السُّلْطَانِ وَالسِّيَادَةِ إِلَى الْعَرَبِ - وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَعَدَّهُمْ لِقَبُولِ دَسَائِسِ الْإِفْرِنْجِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى عَصَبِيَّةِ الْجِنْسِ وَاللُّغَةِ الَّتِي قَوَّضَتْ سَلْطَنَتَهُمْ (إِمْبِرَاطُورِيَّتَهُمُ) الْعُظْمَى بِجَهْلِهِمْ.

(ثَانِيهِمَا) أَنَّ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ وَبَعْضُ الْآيَاتِ أَوِ السُّوَرِ الْقَصِيرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُفَسِّرَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ بِحِفْظِهِ تَفْسِيرًا يَتَمَكَّنُ بِهِ مَنْ فَهْمِ مَعْنَاهُ، وَالِاعْتِبَارِ بِهِ فَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَرْجَمَتِهِ وَتَسْمِيَتِهَا كَلَامُ اللهِ كَذِبًا عَلَى اللهِ، وَخِلَافًا لِنَصِّ كِتَابِ اللهِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ - فَضْلًا عَنْ تَرْجَمَةِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ.

(الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ) مَسْأَلَةُ تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانِهَا مِنْ قَبْلُ، وَنَزِيدُهَا هُنَا بَيَانًا فَنَقُولُ: لَئِنْ كَانَ اطِّلَاعُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ مِنْ أَعَاجِمِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَلَى تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ، فَعِلَّتُهُ أَنَّهُمْ عَرَفُوا مِنْهَا أُصُولَ الْإِسْلَامِ وَمَقَاصِدَهُ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا، وَذَلِكَ كَافٍ لِتَفْضِيلِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ تَرْجَمَتَهُ كَتَأْثِيرِ أَصْلِهِ الْمُعْجِزِ لِلْبَشَرِ فِي إِقْنَاعِ الْعُقُولِ، وَهِدَايَةِ الْقُلُوبِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ اهْتِدَاءِ الْعَرَبِ، وَقَلْبِ طِبَاعِهِمْ، وَجَمْعِ كَلِمَتِهِمْ، وَارْتِفَاعِ رَايَتِهِمْ، وَخُضُوعِ الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ لَهُمْ. وَلَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأُصُولُ وَالْمَقَاصِدُ لِلْأَعَاجِمِ بِلُغَاتِهِمْ بِأُسْلُوبٍ آخَرَ بِأَنْ يُذْكَرَ كُلُّ أَصْلٍ فِي فَصْلٍ خَاصٍّ مَعَ الشَّوَاهِدِ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، بِبَيَانِ مَعَانِي نُصُوصِهِمَا بِالتَّفْسِيرِ، وَإِقَامَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ - لَكَانَ يَكُونُ ذَلِكَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِقْنَاعِ، وَأَشَدَّ تَأْثِيرًا فِي هِدَايَةِ الْمُسْتَعِدِّ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى لِلدَّعْوَةِ، وَهِيَ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا مُسْلِمُو خَيْرِ الْقُرُونِ، وَشَهِدَ لَهُمْ بِذَلِكَ أَصْدَقُ الشُّهُودِ، وَأَبْعَدُهَا عَنِ الْجَرْحِ وَالطَّعْنِ - وَهِيَ

سِيرَتُهُمُ الْفُضْلَى فِي فُتُوحِهِمْ وَعَدْلِهِمُ الْمُطْلَقِ فِي أَحْكَامِهِمْ، وَصَلَاحِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَبِذَلِكَ انْتَشَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>