للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَا يَدْرُونَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِذْ قَدْ بَيَّنَّا لِلْفَرِيقَيْنِ عَدَمَ جَوَازِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُقْنِعَةِ وَجَبَ أَنْ نُبَيِّنَ لَهُمَا الدَّلَائِلَ عَلَى عَدَمِ إِمْكَانِهَا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَلَا نَقْتَصِرُ عَلَى بَيَانِهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَقَطْ.

وَقَدْ عُلِمَ أَنَّنَا نَعْنِي بِالتَّرْجَمَةِ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا وَالْمُرَادَ مِنْهَا الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَهُوَ التَّعْبِيرُ عَنِ الْآيَاتِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا يُؤَدِّي مَعَانِيهَا وَتَأْثِيرِهَا مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى.

وَإِنَّ تَوْفِيَةَ هَذَا الْمَوْضُوعِ حَقَّهُ يَقْتَضِي تَأْلِيفَ كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ، وَلَكِنَّنَا نَكْتَفِي بِقَلِيلٍ مِنَ الشَّوَاهِدِ تُغْنِي عَنِ الْكَثِيرِ، وَنَبْدَأُ بِالْمُفْرِدَاتِ، وَنُثَنِّي بِالْجُمَلِ ثُمَّ نُعَزِّزُهُمَا بِكَلِمَةٍ فِي الْأَسَالِيبِ.

أَمَّا الْمُفْرَدَاتُ: فَإِمَّا حَقِيقَةٌ وَإِمَّا مَجَازٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَكُلٌّ مِنْهَا إِمَّا لُغَوِيٌّ سَبَقَ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ، وَإِمَّا شَرْعِيٌّ أَوْ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ التَّنْزِيلُ، وَمِنْهَا الْمُشْتَرَكُ الَّذِي وُضِعَ لِعِدَّةِ مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ تَعْرِفُ الْمُرَادَ مِنْهَا بِالْقَرَائِنِ. وَمِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالْأُصُولِ مَنْ أَثْبَتَ

أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَالْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَقَدْ جَرَى عَلَى هَذَا الْجَمْعِ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَتَبِعْنَاهُ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْمُفْرَدَاتِ تَنْقَسِمُ إِلَى أَسْمَاءٍ وَأَفْعَالٍ وَحُرُوفِ مَعَانٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا أَقْسَامٌ لِكُلٍّ مِنْهَا مَوَاقِعُ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْقَطْعِ لَدَى الْعَارِفِينَ بِاللُّغَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَّفِقَ لُغَتَانِ مِنْ لُغَاتِ الْعَالَمِ فِي جَمِيعِ مُفْرَدَاتِهَا، وَلَا فِي طُرُقِ دَلَالَتِهَا، وَإِذَا فُرِضَ اتِّفَاقُ لُغَتَيْنِ فِي حَقِيقَةِ لَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَجَازِهِ وَكِنَايَتِهِ بِحَيْثُ يُتَرْجِمُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ مَهْمَا يَكُنِ الْمُرَادُ مِنْهُ لِلْمُتَكَلِّمِ فَلَنْ يُمْكِنَ مِثْلَ هَذَا فِي الْأَوْضَاعِ الْجَدِيدَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، كَالْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْقُرْآنِ لِصِفَاتِ اللهِ تَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ أَوْ لِبَعْضِ الْعِبَادَاتِ ; وَلِذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَاتِ وَعُلَمَاءِ الِاجْتِمَاعِ إِلَى اسْتِحَالَةِ قِيَامِ لُغَةٍ مَقَامَ أُخْرَى فِي آدَابِهَا وَمَعَارِفِهَا وَمَعَانِيهَا الْعَقْلِيَّةِ وَالشِّعْرِيَّةِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: الْأَسْمَاءُ الْمَوْضُوعَةُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا لَهُ مَعْنَى تَدُلُّ عَلَيْهِ مَادَّتُهُ الْعَرَبِيَّةُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُرَادٌ لِتَحَقُّقِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَالْوَاقِعَةِ وَالْقَارِعَةِ وَالطَّامَّةِ وَالصَّاخَّةِ وَالْحَاقَّةِ وَالْغَاشِيَةِ إِلَخ. وَقَدْ أَقَمْتُ الْحُجَّةَ عَلَى طَبِيبٍ تُرْكِيٍّ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، إِذْ زَعَمَ أَنَّهُ يُتَرْجِمُ الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ - وَهُوَ لَا يُحْسِنُ التَّعْبِيرَ عَنْ مُرَادِهِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا يَجِبُ - قُلْتُ لَهُ: لَكُمْ أَنْ تُفَسِّرُوهُ بِالتُّرْكِيَّةِ كَمَا فَعَلَ بَعْضُ عُلَمَائِكُمْ مِنْ قَبْلُ، وَأَمَّا التَّرْجَمَةُ فَهِيَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عَلَى أَهْلِ اللُّغَاتِ الَّتِي هِيَ أَغْنَى مِنْ لُغَتِكُمْ وَأَوْسَعُ وَإِنْ أَتْقَنُوا الْعَرَبِيَّةَ. . ثُمَّ سَأَلْتُهُ: كَيْفَ تُتَرْجِمُ هَذِهِ الْمُفْرَدَاتِ الْمَوْضُوعَةَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: إِنَّهُ يُتَرْجِمُهَا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ: قُلْتُ: إِذَا تُفَوِّتُ الْمَعَانِي الِاشْتِقَاقِيَّةَ الْمَقْصُودَةَ بِالذَّاتِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَهِيَ بَيَانُ صِفَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَبْدَأً وَغَايَةً وَمَا يَقَعُ فِيهِنَّ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْوَعْظِ وَالنُّذُرِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَالرَّادِعَةِ عَنِ الْمَعَاصِي، وَإِذَا تُرْجِمَتْ بِمَعْنَاهَا الِاشْتِقَاقِيِّ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا صِفَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>