للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ مِنَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، دَعِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِمْ بِمَا يُعَدُّ مِنَ الْعِبَادَاتِ، كَالدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ

مُخُّ الْعِبَادَةِ، وَالرُّكْنُ الْأَعْظَمُ فِيهَا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا (٧٢: ١٨) وَيَقُولُ: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٦: ٤١) وَيَقُولُ: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٣: ١٧٥) وَيَقُولُ: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ (٩: ١٣) وَيَقُولُ: فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي (٢: ١٥٠) إِلَخْ. وَيَقُولُ: وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا (٥: ٢٣) وَيَقُولُ: وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٤: ١٢) .

ذَلِكَ بِأَنَّ لَهُمْ قُلُوبًا لَا يَفْقَهُونَ بِهَا أَنَّ تَرْكَ الشُّرُورِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَالْحِرْصَ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرَاتِ - وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: وَاجْتِنَابَ الرَّذَائِلِ، وَالتَّحَلِّيَ بِالْفَضَائِلِ - مَنَاطُ سَعَادَةِ الدُّنْيَا، وَبِهَا مَعَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَتِمُّ الِاسْتِعْدَادُ لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ النَّاسِ بِهَا فِعْلًا وَتَرْكًا، وَسِرًّا وَجَهْرًا، إِلَّا بِالتَّرْبِيَةِ الدِّينِيَّةِ الصَّحِيحَةِ ; وَلِذَلِكَ نَرَى أَعْلَمَهُمْ بِصِفَاتِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ وَأَخْلَاقِهَا، وَقَوَانِينِ التَّرْبِيَةِ الصُّورِيَّةِ وَآدَابِهَا، يَجْنُونَ عَلَى أَجْسَادِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ بِالْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ، وَالِاحْتِيَالِ عَلَى كَثْرَةِ الْمُقْتَنَيَاتِ، وَالتَّعَالِي عَلَى الْأَقْرَانِ وَاللَّذَّاتِ، فَيَجْتَرِحُونَ فَوَاحِشَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ، وَيَقْتَرِفُونَ جَرِيمَتَيِ الرِّشْوَةِ وَالْقِمَارِ، وَيَسْتَحِلُّونَ مُنْكَرَاتِ الْحَسَدِ وَالِاسْتِكْبَارِ، وَمِنْهُمْ أَكْثَرُ الْخَوَنَةِ أَعْوَانُ الْأَجَانِبِ عَلَى اسْتِعْبَادِ أُمَّتِهِمْ، وَامْتِلَاكِ أَوْطَانِهِمْ.

ذَلِكَ بِأَنَّ لَهُمْ قُلُوبًا لَا يَفْقَهُونَ بِهَا مَعْنَى الْحَيَاةِ الرُّوحِيَّةِ، وَاللَّذَّاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٣٠: ٧) .

ذَلِكَ بِأَنَّ لَهُمْ قُلُوبًا لَا يَفْقَهُونَ بِهَا مَعْنَى الْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ، وَلَا آيَاتِهِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا رُسُلَهُ مِنْ عِلْمِيَّاتٍ وَكَوْنِيَّاتٍ، وَأَظْهَرُ آيَاتِهِ الْعِلْمِيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، مَا أَوْدَعَهُ مِنْهَا فِي كِتَابِهِ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِهِ الْأُمِّيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَالْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَأَخْبَارِ الْغَيْبِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ، فَهُمْ يَنْظُرُونَ فِي ظَوَاهِرِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَيَتَكَلَّفُونَ لَهَا غَرَائِبَ التَّأْوِيلَاتِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>