للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْآيَاتِ: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦: ٦٥) وَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ

فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٦: ٩٨) وَقَالَ فِي عَدَمِ فِقْهِهِمْ لِلْقُرْآنِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦: ٢٥) وَهَذِهِ الْآيَةُ جَمَعَتْ حِرْمَانَهُمْ لِهِدَايَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، فَهِيَ شَاهِدٌ لِكُلِّ مَا جَاءَ فِي الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَمِثْلُهَا فِي سُورَتَيِ الْإِسْرَاءِ (١٧: ٤٥ و٤٦) وَالْكَهْفِ (١٨: ٥٧) وَلَكِنَّ الشَّاهِدَ فِيهِمَا عَلَى نَفْيِ هِدَايَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ فَقَطْ ; إِذْ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَوْضُوعِ.

ذَلِكَ بِأَنَّ لَهُمْ قُلُوبًا لَا يَفْقَهُونَ بِهَا أَسْبَابَ النَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ مِنْ رُوحِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ، وَاجْتِمَاعِيَّةٍ وَآلِيَّةٍ، الَّتِي نَصَرَ اللهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْمَدَنِيِّينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَجَعْلَ الْعَشَرَةِ مِنْهُمْ أَهْلًا لَغَلْبِ الْمِائَةِ فِي طَوْرِ الْقُوَّةِ، وَالْمِائَةَ أَهْلًا لَغَلْبِ الْمِائَتَيْنِ فِي طَوْرِ الضَّعْفِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (الْأَنْفَالِ ٨: ٦٥، ٦٦) وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٥٩: ١٣) فَمِنْ آيَاتِ الدِّينِ فِي الْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ أَفْقَهَ مِنَ الْكَافِرِ بِنُظُمِ الْحَرْبِ وَأَسْبَابِ النَّصْرِ الصُّورِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَأَكْمَلَ اتِّصَافًا بِهَا، وَتَمَتُّعًا بِثَمَرِهَا، فَأَيْنَ هَذَا الْإِيمَانُ، مِنْ مُسْلِمِي هَذَا الزَّمَانِ؟ .

ذَلِكَ بِأَنَّ لَهُمْ قُلُوبًا لَا يَفْقَهُونَ بِهَا سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِمَاعِ، وَتَأْثِيرِ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ فِي جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَقُوَّةِ الْجَمَاعَاتِ، وَلَا سِيَّمَا فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ وَزَمَنِ الْمُعْجِزَاتِ، وَلَا يَفْقَهُونَ بِهَا إِدَالَةَ اللهِ لِأَهْلِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ، بَلْ يَحْكُمُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَبْدُو لِعُقُولِهِمُ الْقَاصِرَةِ مِنَ الظَّوَاهِرِ، دُونَ مَا وَرَاءَهَا مِنَ الْفِقْهِ الْبَاطِنِ، كَمَا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ لَا يَزْدَادُونَ بِنُزُولِ سُوَرِ الْقُرْآنِ إِلَّا رِجْسًا، أَيْ خُبْثًا وَنِفَاقًا، وَكَوْنُهُمْ يُفْتَنُونَ وَيُمْتَحَنُونَ مِرَارًا، وَلَا يُفِيدُهُمْ ذَلِكَ تَوْبَةً وَلَا ادِّكَارًا، حَتَّى إِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَرُّوا مِنْ سَمَاعِهَا فِرَارًا، لَا يَخَافُونَ أَنْ يَرَاهُمُ اللهُ وَلَكِنْ يَخَافُونَ أَنْ يَرَاهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٩: ١٢٧) وَمَا حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي سُورَتِهِمْ مِنْ قِصَرِ نَظَرِهِمْ وَظُلْمَةِ بَصِيرَتِهِمْ ; إِذْ تَوَهَّمُوا

أَنَّهُمْ يُقْنِعُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَى إِخْوَانِهِمُ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي انْفِضَاضِهِمْ مِنْ حَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>