وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (١٦: ٧٧) حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى مُضِيِّ قَرْنٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الدَّجَّالِ " إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ " فَجَوَّزَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ فِي حَيَاتِهِ. قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ - وَذُكِرَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الدَّاوُودِيِّ، وَرَجَّحَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.
وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ السَّاعَةِ فِيهِ بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا (٦: ٣١) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ
اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦: ٤٠) ؟ وَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهُمَا فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ.
وَحَيْثُ يُذْكَرُ قِيَامُ السَّاعَةِ كَآيَاتِ سُورَةِ الرُّومِ الثَّلَاثِ (١٢ و١٤ و٥٥) وَآيَةِ سُورَةِ غَافِرٍ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٠: ٤٦) فَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ غَايَتُهَا يَوْمَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ - وَحَيْثُ يُذْكَرُ التَّكْذِيبُ بِهَا أَوِ الْمُمَارَاةُ فِيهَا، فَالْمُرَادُ الْمَعْنَى الْعَامُّ لِكُلِّ مَا وَعَدَ اللهُ بِهِ وَأَوْعَدَ مِنْ أَمْرِ مُبْئِسِهَا وَغَايَتِهَا.
وَحَيْثُ يُذْكَرُ اقْتِرَابُ السَّاعَةِ أَوْ مَجِيئُهَا وَإِثْبَاتُهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا قُرِنَ بِبَغْتَةٍ، فَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ مَبْدَأُ الْقِيَامَةِ وَخَرَابُ الْعَالَمِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ السُّؤَالُ عَنْهَا فَإِنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ عَنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ الْمُنْتَظَرِ فِي الْغَالِبِ، وَمِنْهُ آيَةُ الْأَعْرَافِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَيَّانَ مُرْسَاهَا مَعْنَاهُ يَسْأَلُونَكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ عَنِ السَّاعَةِ قَائِلِينَ: أَيَّانَ مُرْسَاهَا؟ أَيْ مَتَى إِرْسَاؤُهَا وَحُصُولُهَا وَاسْتِقْرَارُهَا - أَوْ يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ زَمَنِ مَجِيئِهَا وَثُبُوتِهَا بِالْوُقُوعِ وَالْحُصُولِ. . . فَأَيَّانَ ظَرْفُ زَمَانٍ، وَمُرْسَاهَا، مَصْدَرٌ مَعْنَاهُ إِرْسَاؤُهَا، يُقَالُ: رَسَا الشَّيْءُ يَرْسُو: ثَبَتَ، وَأَرْسَاهُ غَيْرُهُ، وَمِنْهُ إِرْسَاءُ السَّفِينَةِ وَإِيقَافُهَا بِالْمِرْسَاةِ الَّتِي تُلْقَى فِي الْبَحْرِ فَتَمْنَعُهَا مِنَ الْجَرَيَانِ، قَالَ تَعَالَى: بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا (١١: ٤١) وَقَالَ: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٧٩: ٣٢) .
وَفِي السُّؤَالِ عَنْ زَمَنِ وُقُوعِهَا بِحَرْفِ الْإِرْسَاءِ الدَّالِّ عَلَى اسْتِقْرَارِ مَا شَأْنُهُ الْحَرَكَةُ وَالْجَرَيَانُ أَوِ الْمَيَدَانُ وَالِاضْطِرَابُ - نُكْتَةٌ دَقِيقَةٌ هِيَ فِي أَعْلَى دَرَجِ الْبَلَاغَةِ. وَهُوَ أَنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ عِبَارَةٌ عَنِ انْتِهَاءِ أَمْرِ هَذَا الْعَالَمِ، وَانْقِضَاءِ عُمْرِ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي تَدُورُ بِمَنْ فِيهَا مِنَ الْعَوَالِمِ الْمُتَحَرِّكَةِ الْمُضْطَرِبَةِ، فَعَبَّرَ بِإِرْسَائِهَا عَنْ مُنْتَهَى أَمْرِهَا وَوُقُوفِ سَيْرِهَا، وَالسَّاعَةُ زَمَنٌ، وَهُوَ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ، لَا جِسْمٌ سَائِرٌ أَوْ مُسَيَّرٌ، وَمَا يَقَعُ فِيهَا وَيُعَبَّرُ بِهَا عَنْهُ فَهُوَ حَرَكَةُ اضْطِرَابٍ وَزِلْزَالٍ، لَا رُسُوٌّ وَلَا إِرْسَاءٌ، وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ لَا حَاصِلٌ، وَمُتَوَقَّعٌ لَا وَاقِعٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (٥٢: ٧، ٨) مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَيَقَعُ حَتْمًا ; وَلِذَلِكَ عَلَّقَ بِهِ بَيَانَ مَا يَقَعُ فِيهِ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute