وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (٩: ٧١) الْآيَةَ. ثُمَّ قَوْلُهُ فِي صِفَاتِهِمْ، مِنْهَا: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٩: ١١٢) فَهَذِهِ الْآيَاتُ أُصُولٌ لَا مَنْدُوحَةَ لِلْأُمَّةِ عَنِ الْتِزَامِهَا فِي آدَابِهَا وَتَشْرِيعِهَا.
وَمِنِ النَّوْعِ الثَّانِي وَهُوَ مَا وَرَدَ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (٢: ٢٢٨) وَهَذِهِ الْآيَةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ يَفْضُلُ بِهَا الْإِسْلَامُ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ وَالْقَوَانِينِ
فِي الْعَدْلِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَلَمْ تَنَلِ النِّسَاءُ مِثْلَهُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي أَحْكَامِ الطَّلَاقِ: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (٢٢٩) وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (٢٣١) - وَمِثْلُهَا فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ - وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا فِي الْمُطَلَّقَاتِ الرَّجْعِيَّاتِ، فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (٢٣٢) وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا فِيهِنَّ إِذَا كُنَّ مُرْضِعَاتٍ: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٢٣٣) إِلَى قَوْلِهِ: فِيهِنَّ إِذَا أَرَادَ الزَّوْجَانِ الْفِصَالَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ (٢: ٢٣٣) وَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي مُعْتَدَّاتِ الْوَفَاةِ: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (٢٣٤) وَقَوْلُهُ بَعْدَ آيَةٍ أُخْرَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَقَوْلُهُ بَعْدَ أَرْبَعِ آيَاتٍ أُخْرَى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) وَكَقَوْلِهِ فِي مُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (٤: ١٩) وَهُنَالِكَ آيَاتٌ أُخْرَى فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَفِي أَكْلِ الْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ قُيِّدَتْ بِالْمَعْرُوفِ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مُعْتَبَرٌ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُهِمَّةِ، وَأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِيهَا هُوَ الْمَعْهُودُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَادَاتِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشُّعُوبِ وَالْبُيُوتِ وَالْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ، فَتَحْدِيدُهُ وَتَعْيِينُهُ بِاجْتِهَادِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِدُونِ مُرَاعَاةِ عُرْفِ النَّاسِ " مُخَالِفٌ لِنَصِّ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. وَلِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَالْحَنَابِلَةِ أَقْوَالٌ حَكِيمَةٌ فِي الْمَعْرُوفِ، مِنْهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أَعْمَالِ الْبَيْتِ وَالْأُسْرَةِ مَا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنَ الْمَعْرُوفِ عَنْ بَعْضِ الْبُيُوتِ أَنَّهُنَّ لَا يُزَوِّجْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute