للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِسْمَةُ غَنَائِمِ بَدْرٍ وَقَعَتْ عَلَى السَّوَاءِ بَعْدَ أَنْ أُخْرِجَ الْخُمُسُ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَفَادَتْ آيَةُ الْأَنْفَالِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ إِلَى آخِرِهَا بَيَانَ مَصْرِفِ الْخُمُسِ لَا مَشْرُوعِيَّةَ أَصْلِ الْخُمُسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ حِلِّ الْغَنَائِمِ لَنَا دُونَ مَنْ قَبْلَنَا: وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا (٨: ٦٩) فَأَحَلَّ اللهُ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَدَّمْتُ

فِي أَوَائِلِ فَرْضِ الْخُمُسِ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ خُمِّسَتْ غَنِيمَةِ السَّرِيَّةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِمَا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَخَّرَ غَنِيمَةَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ حَتَّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ بَدْرٍ اهـ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ الْخُمُسُ فِي غَزْوَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ أَنَّ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ غُنِمَتْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ غَنِيمَةُ الْغَزْوَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي جُمْلَةِ السُّورَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالصَّوَابُ مَا حَقَّقَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَذَكَرْنَاهُ آنِفًا.

وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَيَانِ: وَأَمَّا مَعْنَى الْغَنِيمَةِ فِي الشَّرْعِ فَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ الِاتِّفَاقَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ مَالُ الْكُفَّارِ إِذَا ظَفِرَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ. قَالَ: وَلَا يَقْتَضِي فِي اللُّغَةِ هَذَا التَّخْصِيصَ، وَلَكِنْ عَرَّفَ الشَّرْعُ قَيْدَ هَذَا اللَّفْظِ بِهَذَا النَّوْعِ. وَقَدِ ادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ (٨: ١) حِينَ تَشَاجَرَ أَهْلُ بَدْرٍ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ وَقِيلَ: إِنَّهَا - يَعْنِي آيَةَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَأَنَّ الْغَنِيمَةَ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَيْسَتْ مَقْسُومَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَكَذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ. حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَالُوا: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُمْ. وَاحْتَجُّوا بِفَتْحِ مَكَّةَ وَقِصَّةِ حُنَيْنٍ. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَكَّةَ عَنْوَةً وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا فَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقْسِمْهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا فَيْئًا.

" وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ، وَمِمَّنْ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالدَّاوُدِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَثِيرَةٌ جِدًّا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ الْآيَةَ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ الْآيَةَ. بَلْ قَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ قَوْلَهُ: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا

غَنِمْتُمْ نَاسِخٌ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّحْرِيفُ وَالتَّبْدِيلُ لِكِتَابِ اللهِ. وَأَمَّا قِصَّةُ مَكَّةَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فَتْحِهَا. (قَالَ) :

<<  <  ج: ص:  >  >>