للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْقِتَالِ نَفْسَهُ، أَوْ مُتَطَوِّعٌ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ نَصِيبَهُ مِنَ الْجِهَادِ، وَلَكِنْ إِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ وَوَقَعَ النَّفِيرُ لَا يُمْكِنُهُ الِاعْتِزَالُ عَنِ الْقِتَالِ وَالتَّنَحِّي عَنْهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا.

وَإِذَا كَانَ مِنَ الْمُسَلَّمِ الثَّابِتِ أَنَّ الْمُرْتَزِقَ وَالْمُتَطَوِّعَ سِيَّانِ فِي الْحُقُوقِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تُمْنَحُ لِلْعَسْكَرِ، كَانَ مِنَ الْحَقِّ الْوَاضِحِ أَنْ يُعْفَى الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مِنْ ضَرِيبَةِ الْجِزْيَةِ، أَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَمَا كَانَ يَحِقُّ لِلْإِسْلَامِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى مُبَاشَرَتِهِمُ الْقِتَالَ

فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، بَلِ الْأَمْرُ بِيَدِهِمْ، رَضُوا بِالْقِتَالِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ عَفْوًا عَنِ الْجِزْيَةِ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُخَاطِرُوا بِالنَّفْسِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُسَامِحُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ وَهِيَ الْجِزْيَةُ، وَلَعَلَّكَ تُطَالِبُنِي بِإِثْبَاتِ بَعْضِ الْقَضَايَا الْمُنْطَوِيَةِ فِي هَذَا الْبَيَانِ، أَيْ إِثْبَاتِ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَا كَانَ تُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّينَ إِلَّا لِلْقِيَامِ بِحِمَايَتِهِمْ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ، وَأَنَّ الذِّمِّيِّينَ لَوْ دَخَلُوا فِي الْجُنْدِ أَوْ تَكَفَّلُوا أَمْرَ الدِّفَاعِ لَعُفُوا عَنِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ صَدَقَ ظَنِّي فَاصْغَ إِلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي تُعْطِيكَ الثَّلْجَ فِي هَذَا الْبَابِ وَتَحْسِمُ مَادَّةَ الْقِيلِ وَالْقَالِ.

(فَمِنْهَا) مَا كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِصَلُوبَا بْنِ نَسْطُوْنَا حِينَمَا دَخَلَ الْفُرَاتَ وَأَوْغَلَ فِيهَا وَهَذَا نَصُّهُ: " هَذَا كِتَابٌ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَصَلُوْبَا بْنِ نَسْطُوْنَا وَقَوْمِهِ، إِنِّي عَاهَدْتُكُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالْمَنْعَةِ فَلَكَ الذِّمَّةُ وَالْمَنْعَةُ وَمَا مَنَعْنَاكُمْ (أَيْ حَمَيْنَاكُمْ) فَلَنَا الْجِزْيَةُ وَإِلَّا فَلَا؟ كُتِبَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي صَفَرٍ ".

(وَمِنْهَا) مَا كَتَبَ نُوَّابُ الْعِرَاقِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَاكَ نَصَّهُ: " بَرَاءَةٌ لِمَنْ كَانَ مِنْ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِزْيَةِ الَّتِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا خَالِدٌ وَالْمُسْلِمُونَ، لَكُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ بَدَّلَ صُلْحَ خَالِدٍ مَا أَقْرَرْتُمْ بِالْجِزْيَةِ وَكُنْتُمْ. أَمَانُكُمْ أَمَانٌ، وَصُلْحُكُمْ صُلْحٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ عَلَى الْوَفَاءِ ".

(وَمِنْهَا) مَا كَتَبَ أَهْلُ ذِمَّةِ الْعِرَاقِ لِأُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا نَصُّهُ: " إِنَّا قَدْ أَدَّيْنَا الْجِزْيَةَ الَّتِي عَاهَدْنَا عَلَيْهَا خَالِدًا عَلَى أَنْ يَمْنَعُونَا وَأَمِيرُهُمِ الْبَغْيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ ".

(وَمِنْهَا) الْمُقَاوَلَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ يَزْدِجِرْدَ مَلِكِ فَارِسَ حِينَمَا وَفَدُوا عَلَى يَزْدِجِرْدَ وَعَرَضُوا عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ هَذَا فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ نُعْمَانَ الَّذِي كَانَ رَئِيسَ الْوَفْدِ: " وَإِنِ اتَّقَيْتُمُونَا بِالْجَزَاءِ قَبِلْنَا وَمَنَعْنَاكُمْ وَإِلَّا قَاتَلْنَاكُمْ ".

(وَمِنْهَا) الْمُقَاوَلَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ حُذَيْفَةَ بْنِ مِحْصَنٍ وَبَيْنَ رُسْتُمَ قَائِدِ الْفُرْسِ، وَحُذَيْفَةُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَافِدًا عَلَى رُسْتُمَ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ كَلَامِهِ: " أَوِ الْجَزَاءُ وَنَمْنَعُكُمْ إِنِ احْتَجْتُمْ

إِلَى ذَلِكَ " فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، كَيْفَ قَارَنُوا بِهَا بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَالْمَنْعَةِ وَكَيْفَ صَرَّحَ خَالِدٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>