للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْعَوْا لِإِعَادَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ الْحَقِّ بِأَنْ يَضَعَ عُقَلَاؤُهُمْ لِذَلِكَ نِظَامًا يَدْعُونَ إِلَيْهِ دَعْوَةً عَامَّةً، وَيَجْمَعُونَ الْمَالَ الَّذِي يُمَكِّنُهُمْ مِنَ السَّعْيِ إِلَيْهِ.

(٤) الرَّأْيُ الرَّابِعُ: أَنَّ (دَارَ الْإِسْلَامِ) قِسْمَانِ: (الْأَوَّلُ) مَهْدُهُ وَمَشْرِقُ نُورِهِ وَمَصْدَرُ قُوَّتِهِ، وَمَوْطِنُ قَوْمِ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَهُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ. (وَالثَّانِي) بِيئَةُ حَضَارَتِهِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَظْهَرُ عَدَالَتِهِ التَّشْرِيعِيَّةِ، وَيَنْبُوعُ حَيَاتِهِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، وَهُوَ سُورِيَةُ الشَّامِلَةُ لِفِلَسْطِينَ، وَالْعِرَاقِ الْعَرَبِيِّ، وَمِصْرَ وَإِفْرِيقِيَّةَ، وَهَذِهِ الْأَقْطَارُ هِيَ الَّتِي عَمَّتْ فِيهَا لُغَةُ الْإِسْلَامِ الْعَرَبِيَّةُ، وَرَسَخَتْ فَنَسَخَتْ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ لُغَاتٍ

أُخْرَى ; لِأَنَّ أَكْثَرَ سُكَّانِهَا الْأَصْلِيِّينَ مِنَ السَّلَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ الَّذِينَ تَغَلْغَلُوا فِيهَا مِنْ عُصُورِ التَّارِيخِ الْأُولَى، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْبَشَرِيَّةِ وَلُغَاتِهَا شَكٌّ فِي أَنَّ الْفِينِيقِيِّينَ سُكَّانَ سَوَاحِلِ سُورِيَةَ الْأَوَّلِينَ الْمُعَمِّرِينَ - مَنْ عَرَبِ سَوَاحِلِ الْبَحْرَيْنِ وَنَجْدٍ - وَأَنَّ امْتِزَاجَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِالْهِيرُوغْلِيفِيَّةِ الْقَدِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قُدَمَاءَ الْمِصْرِيِّينَ وَالْعَرَبَ مِنْ عِرْقٍ وَاحِدٍ إِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ عِرْقَيْنِ امْتَزَجَا وَاتَّحَدَا مُنْذُ أُلُوفِ السِّنِينِ.

وَلَكِنَّ الْمِصْرِيِّينَ قَدْ رَسَخَتْ فِي زُعَمَائِهِمُ الْمَدَنِيِّينَ عَصَبِيَّةُ الْوَطَنِيَّةِ فَلَا مَجَالَ الْآنَ لِمُطَالَبَتِهِمْ بِعَمَلٍ سِيَاسِيٍّ لِإِعَادَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ مُقَاوَمَتِهِمْ لِمُؤْتَمَرِ الْخِلَافَةِ الَّذِي عَقَدَهُ عُلَمَاءُ الْأَزْهَرِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَحَسْبُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ إِعْلَاءُ شَأْنِهِ بِإِحْيَاءِ لُغَتِهِ وَعُلُومِهِ وَهِدَايَتِهِ. فَانْحَصَرَ الرَّجَاءُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ سُورِيَةَ وَالْعِرَاقِ اللَّذَيْنِ يَعُدُّهُمَا بَعْضُ النَّاسِ مِنْهَا.

دَارُ الْإِسْلَامِ الدِّينِيَّةُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ:

أَوْجَبَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَكُونَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ دَارَهُ الدِّينِيَّةَ الْمَحْضَةَ، فَقَضَى عَلَى مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الشِّرْكِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ، كَمَا بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَأَهَمُّهَا وَصِيَّتُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْهَا، وَبِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهَا دِينَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ ثُغُورَ الْحِجَازِ الْبَحْرِيَّةَ، وَمَا يُوجَدُ فِي بَحْرِهِ مِنَ الْجَزَائِرِ لَهُمَا حُكْمُ أَرْضِهِ وَبِلَادِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَسُلْطَانِهِمْ أَنْ يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِقَامَةِ فِيهَا لِتِجَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا. وَقَدْ ظَهَرَ لِمُسْلِمِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ حِكْمَةِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ بِبَالِ دُوَلِهِمُ الْقَوِيَّةِ مِنْ قَبْلِهِ الَّتِي تَسَاهَلَتْ وَقَصَّرَتْ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَسَمَحَتْ بِبَقَاءِ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ بِقَاعِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (كَالْيَمَنِ) ثُمَّ بِوُجُودِ بَعْضِهِمْ فِي (جُدَّةَ) وَهِيَ مِنَ الْحِجَازِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>