الْعَامَّةِ، فَشَعَرَ الْعُقَلَاءُ بِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى الدِّينِ الْمُطْلَقِ بِسُنَّةِ " رَدِّ الْفِعْلِ " وَأَلَّفُوا عِدَّةَ جَمْعِيَّاتٍ لِإِرْجَاعِ هِدَايَتِهِ عَلَى قَوَاعِدَ مُخْتَلِفَةٍ، بَعْضُهَا قَرِيبٌ مِنَ الْعَقْلِ وَبَعْضُهَا بَعِيدٌ عَنْهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّينَ يَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ كُلُّهُ بِالتَّسْلِيمِ بِغَيْرِ بَحْثٍ وَلَا عَقْلٍ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ كَثُرَ فِي الْبُرُوتُسْتَانْتِ مِنَ الْإِنْكِلِيزِ مَنْ يَمِيلُونَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْكَاثُولِيكِيَّةِ، لِأَنَّ لِرُسُومِهَا وَتَقَالِيدِهَا، وَصُوَرِهَا وَتَمَاثِيلِهَا، وَنَغَمَاتِ نَشِيدِهَا مِنَ
السُّلْطَانِ وَالتَّأْثِيرِ فِي الْقَلْبِ مَا لَيْسَ لِلْكَنِيسَةِ الْإِصْلَاحِيَّةِ اللَّوْثَرِيَّةِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَثَرِ هَذَا الِانْقِلَابِ تَوَدُّدُ جُمْهُورِيَّةِ فَرَنْسَةَ الْإِلْحَادِيَّةِ إِلَى الْبَابَا، وَإِعَادَتُهَا لِمَا سَلَبَتْ مِنْ أَوْقَافِ الْكَنَائِسِ. وَاتِّفَاقُ الدَّوْلَةِ الْإِيطَالِيَّةِ مَعَ الْبَابَا عَلَى إِرْجَاعِ سُلْطَانِهِ السِّيَاسِيِّ، وَالِاعْتِرَافِ بِمَمْلَكَتِهِ الدِّينِيَّةِ، وَرَدِّ أَمْلَاكِهَا إِلَيْهَا، ثُمَّ إِجَابَةُ طَلَبِهِ إِلَى إِعَادَةِ التَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ الْكَاثُولِيكِيِّ إِلَى جَمِيعِ الْمَدَارِسِ الْإِيطَالِيَّةِ؛ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَ رَجُلِ هَذِهِ الدَّوْلَةِ وَرَئِيسِ حُكُومَتِهَا فِي هَذَا، أَنَّ حِفْظَ أَخْلَاقِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفَسَادِ وَجَامِعَتِهَا مِنَ الِانْحِلَالِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالدِّينِ - أَيِّ دِينٍ يُحَرِّمُ الْفَوَاحِشَ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَيَجْمَعُ الْكَلِمَةَ - وَأَنَّ دِينَ الْأُمَّةِ الْمَوْرُوثَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، إِنْ فُرِضَ أَنَّ غَيْرَهُ مُمْكِنٌ قَرِيبُ الْمَنَالِ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَفْكَارِ لَا يَعْقِلُهَا مَلَاحِدَةُ هَذِهِ الْبِلَادِ وَأَمْثَالُهُمْ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُفَكِّرُونَ فِيمَا يَنْفَعُ الْأُمَّةَ وَيَضُرُّهَا، وَلَا فِي تَأْثِيرِ الدِّينِ فِي أَخْلَاقِهَا وَوَحْدَتِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْشُرُ إِلْحَادَهُ تَلَذُّذًا بِتَقْلِيدِ مَلَاحِدَةِ أُورُبَّةَ، وَتَشَرُّفًا بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ، لِصَغَارِهِ وَخِسَّةِ نَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْشُرُهُ خِدْمَةً لِلْمُسْتَعْمِرِينَ، وَمُسَاعَدَةً لِلْمُبَشِّرِينَ، بِأَجْرٍ حَقِيرٍ، وَإِثْمٍ كَبِيرٍ.
(٣) مُحَافَظَةُ الْكَنِيسَةِ عَلَى عَقَائِدِهَا وَتَأْوِيلَاتِ الْمُخَالِفِينَ لَهَا.
إِنَّنَا نَعْتَقِدُ بِمَا تَيَسَّرَ لَنَا مِنَ الْبَحْثِ وَالِاخْتِبَارِ الطَّوِيلِ أَنَّ عُلَمَاءَ الشُّعُوبِ الْأُورُبِّيَّةِ وَمُسْتَقِلِّي الْفِكْرِ فِيهِمْ، لَا يُؤْمِنُونَ بِعَقَائِدِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي هَذَا السُّؤَالِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قَضَايَا الْجَوَابِ عَنْهُ، وَلَا بِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي كُتُبِ الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَلَا أَكْثَرَهُ حَقٌّ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ نَعْلَمُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قَدِ اهْتَدَى بِعَقْلِهِ وَاسْتِقْلَالِ فِكْرِهِ إِلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ إِصْلَاحِ الْإِسْلَامِ لِلنَّصْرَانِيَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَشَرٌ مَخْلُوقٌ، وَنَبِيٌّ رَسُولٌ لَا إِلَهٌ خَالِقٌ، بَلْ حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَ مِنْ كِبَارِ رِجَالِ الدِّينِ الْكَاثُولِيكِيِّ فَجَهَرَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ مِمَّا يُخَالِفُ تَعَالِيمَهُمْ فَحَرَمَهُ الرَّئِيسُ الْأَكْبَرُ مِنْهَا - حَدَّثَنِي بِأَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَنِيسَةِ أَنْفُسَهُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا حَقَائِقَ الْعُلُومِ لَا يَعْتَقِدُونَ أُلُوهِيَّةَ الْمَسِيحِ، وَلَا التَّثْلِيثَ، وَلَا الِاسْتِحَالَةَ فِي
الْعَشَاءِ الرَّبَّانِيِّ، بَلْ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا دَخِيلَةٌ فِي دِينِ الْمَسِيحِ، وَلَكِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ إِذَا صَرَّحُوا بِهَذَا تَبْطُلُ ثِقَةُ النَّصَارَى بِالدِّينِ مِنْ أَصْلِهِ، فَيَتَعَذَّرُ عَلَى رِجَالِ الْكَنِيسَةِ بِسُقُوطِ رِيَاسَتِهَا حَمْلُهُمْ عَلَى الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ مِنَ الدِّينِ، وَهِيَ الْفَضَائِلُ وَالْآدَابُ وَتَقْوَى اللهِ الصَّادَّةُ عَنِ الشُّرُورِ وَالرَّذَائِلِ.
هَذَا وَإِنَّ لِكِبَارِ الْأَذْكِيَاءِ مِنْهُمْ تَأْوِيلَاتٍ يَتَفَصَّوْنَ بِهَا مِنْ مُنْكَرَاتِ تِلْكَ الْكُتُبِ وَالتَّقَالِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute