كَتَأْوِيلِ عَاهِلِ الْأَلْمَانِ الْأَخِيرِ (غِلْيُومُ الثَّانِي) بَعْدَ عُثُورِ عُلَمَاءِ قَوْمِهِ عَلَى شَرِيعَةِ حَمُورَابِي فِي الْعِرَاقِ، وَقَوْلِهِمْ: إِنَّ جُلَّ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ مَأْخُوذَةٌ عَنْهَا، فَإِنَّهُ كَتَبَ كِتَابًا لِصَدِيقٍ لَهُ فِي كَوْنِ هَذَا الْأَمْرِ لَا يَنْقُضُ دِينَهُمُ الْمَبْنِيَّ عَلَى أَسَاسِ التَّوْرَاةِ أَيْ كُتُبِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يُسَمُّونَهُ الرُّوحَ الَّذِي فِيهَا لَا عَلَى نُصُوصِهَا وَتَشْرِيعِهَا، وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْكِتَابِ:
وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ عِنْدِي أَنَّ التَّوْرَاةَ تَحْتَوِي عَلَى عِدَّةِ فُصُولٍ تَارِيخِيَّةٍ هِيَ مِنَ الْبَشَرِ لَا مِنْ وَحْيِ اللهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْفَصْلُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ أَنَّ اللهَ أَعْطَى مُوسَى عَلَى جَبَلِ سَيْنَاءَ شَرِيعَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّنِي أَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ مُوحًى بِهَا مِنَ اللهِ إِلَّا اعْتِبَارًا شِعْرِيًّا رَمْزِيًّا ; لِأَنَّ مُوسَى قَدْ نَقَلَ تِلْكَ الشَّرَائِعَ عَنْ شَرَائِعَ أَقْدَمَ مِنْهَا عَلَى الْأَرْجَحِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَصْلُهَا مَأْخُوذًا مِنْ شَرَائِعِ حَمُورَابِي، وَيُوشِكُ أَنْ يَجِدَ الْمُؤَرِّخُ اتِّصَالًا بَيْنَ شَرَائِعِ حَمُورَابِي صَاحِبِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، وَبَيْنَ شَرَائِعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِاللَّفْظِ وَالْفَحْوَى، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَطْعِيًّا مِنَ الِاعْتِقَادِ بِوَحْيِ اللهِ لِمُوسَى، وَظُهُورِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِوَاسِطَتِهِ " ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّنِي أَسْتَنْتِجُ مِمَّا تَقَدَّمَ مَا يَأْتِي:
(١) أَنَّنِي أُؤْمِنُ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ. (٢) أَنَّنَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ نَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا الْإِلَهِ الْعَظِيمِ إِلَى شَيْءٍ يُمَثِّلُ إِرَادَتَهُ، وَأَوْلَادُنَا أَشَدُّ احْتِيَاجًا مِنَّا إِلَى ذَلِكَ.
(٣) أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُمَثِّلُ إِرَادَةَ اللهِ عِنْدَنَا هُوَ التَّوْرَاةُ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا
بِالتَّقْلِيدِ، وَإِذَا فَنَّدَتِ الْمَكْشُوفَاتُ الْأَثَرِيَّةُ بَعْضَ رِوَايَاتِهَا، وَذَهَبَتْ بِشَيْءٍ مِنْ رَوْنَقِ الشَّعْبِ الْمُخْتَارِ - شَعْبَ إِسْرَائِيلَ - فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ رُوحَ التَّوْرَاةِ يَبْقَى سَلِيمًا، مَهْمَا يَطْرَأُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنَ الِاعْتِلَالِ وَالِاخْتِلَالِ، وَهَذَا الرُّوحُ هُوَ اللهُ وَأَعْمَالُهُ.
إِنَّ الدِّينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُسْتَحْدَثَاتِ الْعِلْمِ، فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِلْمِ وَالتَّارِيخِ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيَضَانٌ مِنْ قَلْبِ الْإِنْسَانِ وَوِجْدَانِهِ بِمَا لَهُ مِنَ الصِّلَةِ بِاللهِ " هـ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَسِيحِ، فَإِنَّهُ فَسَّرَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَظْهَرُ دَائِمًا فِي الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ الَّذِي هُوَ خَلِيفَتُهُ وَصَنِيعَتُهُ بِمَا نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ (قَالَ) : أَعْنِي أَنَّهُ مَنَحَهُ شَيْئًا مِنْ ذَاتِهِ إِذْ أَعْطَاهُ نَفْسًا حَيَّةً، وَإِنَّ ظُهُورَهُ هَذَا قَدْ يَكُونُ فِي كَاهِنٍ، وَقَدْ يَكُونُ فِي مَلِكٍ، سَوَاءً كَانَ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ أَوِ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى، وَقَدْ كَانَ حَمُورَابِي مِنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ كَمَا كَانَ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمُ وَهُوَ مِيرُوسُ وَشَارْلِمَانُ وَلُوثَرُ وَشِكْسِبِيرُ وَجُوتُّ وَقُنْتُ (أَوكُونْتُ) وَالْإِمْبِرَاطُورُ غِلْيُومُ الْكَبِيرُ (يَعْنِي جَدَّهُ) . . . . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ظُهُورَ اللهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute