للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ " لَا أُحِبُّهُ " أَوْ " لَا أَسْتَحْسِنُهُ " أَوْ " يَفْعَلُ كَذَا احْتِيَاطًا " وَجْهَانِ. وَ: أُحِبُّ كَذَا أَوْ يُعْجِبُنِي أَوْ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِلنَّدْبِ وَقِيلَ لِلْوُجُوبِ إِلَخْ.

وَقَوْلُهُ: وَجْهَانِ. يَعْنِي لِلْأَصْحَابِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ. وَفِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأُولَى أَنْ يُنْظَرَ إِلَى الْقَرَائِنِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ. وَأَقُولُ: مَا كَانَ أَغْنَاهُمْ عَنْ مُجَارَاةِ غَيْرِهِمْ بِجَعْلِ كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللهُ لِلتَّشْرِيعِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْهُ وَلَوْ بِالِاحْتِمَالِ، وَإِذَا كَانَ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الدَّالُّ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالظَّنِّ الرَّاجِحِ الْمُحْتَمِلِ لِعَدَمِهِ بِالِاجْتِهَادِ لَمْ يَجْعَلْهُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَصْحَابُهُ دَلِيلًا عَلَى التَّحْرِيمِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ وَيُلْزِمُوا الْأُمَّةَ الْعَمَلَ بِهِ، بَلْ تَرَكُوهُ لِاجْتِهَادِ الْأَفْرَادِ. فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ نَجْعَلَ كَلَامَ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِكَلَامِهِ مُطْلَقًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلًا عَلَى التَّحْرِيمِ الْعَامِّ؟ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ اجْتِهَادَ الْعَالِمِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُ الْأَخْذِ بِالتَّقْلِيدِ، وَمَنْعُ الْأَئِمَّةِ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْكَرَ فِي كِتَابِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِرَأْيِهِ وَفَهْمِهِ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَسَمَّاهُ كَذَّابًا وَسَمَّى اتِّبَاعَهُ شِرْكًا، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى النَّاسِ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي حَدِيثِ الثَّوْمِ وَالْبَصَلِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَحَلَّ اللهُ هَذَيْنِ بِالنُّصُوصِ الْعَامَّةِ كَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (٢: ٢٩) وَجَعَلَهُ الْعُلَمَاءُ أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ فَقَالُوا: الْأَصْلُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ أَوِ الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ.

وَالْعُمْدَةُ فِي تَفْسِيرِ اتِّخَاذِ رِجَالِ الدِّينِ أَرْبَابًا بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْآثَارِ - هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْعِبَادِ إِنَّمَا هُوَ حَقُّ رَبِّهِمْ عَلَيْهِمْ، وَكَوْنِهِ تَشْرِيعًا دِينِيًّا، وَإِنَّمَا شَارِعُ الدِّينِ هُوَ اللهُ تَعَالَى، فَإِذَا نِيطَ التَّشْرِيعُ الدِّينِيُّ بِغَيْرِهِ تَعَالَى كَانَ ذَلِكَ إِشْرَاكًا بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ لَهُمْ

شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ (٤٢: ٢١) وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذَا فِي مَوَاضِعِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ.

فَلْيَتَّقِ اللهَ تَعَالَى مَنْ يَظُنُّونَ بِجَهْلِهِمْ أَنَّ جُرْأَتَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ كَمَالِ الدِّينِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ، سَوَاءً حَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا بِآرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، أَوْ بِقِيَاسٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، أَوْ بِالنَّقْلِ عَنْ بَعْضِ مُؤَلِّفِي الْكُتُبِ الْمَيِّتِينَ وَإِنْ كَبُرَتْ أَلْقَابُهُمْ، وَكَذَا إِنْ كَانَ أَخْذًا مِنْ نَصٍّ شَرْعِيٍّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دِلَالَةً قَطْعِيَّةً، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَلْيَتَقِ اللهَ مَنْ يَضَعُونَ لِلنَّاسِ الْأَوْرَادَ وَالْأَحْزَابَ الْكَثِيرَةَ، وَيَجْعَلُونَهَا لَهُمْ كَشَعَائِرِ الدِّينِ الْمَنْصُوْصَةِ بِحَمْلِهِمْ عَلَيْهَا فِي الِاجْتِمَاعَاتِ، وَاشْتِرَاكِهِمْ فِيهَا بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ، أَوْ تَوْقِيتِهَا لَهُمْ كَالصَّلَوَاتِ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَكْمَلِ الْبَشَرِ فِي الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>