للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الْأُولَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَوَاللهِ إِنَّ الْمَأْثُورَ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مِنَ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ، خَيْرٌ مِنْ حِزْبِ فُلَانٍ وَوِرْدِ فُلَانٍ وَأَمْثَالُ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ، وَمَا هِيَ بِقَلِيلٍ، فَلْيُرَاجِعُوهَا فِي كُتُبِ الْأَذْكَارِ لِلْمُحَدِّثِينَ كَأَذْكَارِ النَّوَوِيِّ، وَكِتَابِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ لِلْجَزَرِيِّ، فَفِيهِمَا مَا يَكْفِيهِمْ مِنَ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَبِالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَحُدُودِ الْحَوَادِثِ.

(قَدْ يَقُولُ) نَصِيرٌ لِلْبِدْعَةِ، خَذُولٌ لِلسُّنَّةِ: إِنَّ هَذِهِ الْأَوْرَادَ وَالْأَحْزَابَ وَالصَّلَوَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا شُيُوخُ الطَّرِيقَةِ الْعَارِفِينَ، وَكِبَارُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ الَّتِي جُرِّبَتْ فَائِدَتُهَا، وَثَبَتَتْ مَنْفَعَتُهَا بِمُوَاظَبَةِ الْأُلُوفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، وَخُشُوعِهِمْ بِتِلَاوَتِهَا، دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْفِكَهُمْ عَنْهَا؟ .

(وَأَقُولُ) إِنَّ كَاتِبَ هَذَا مِمَّنْ جَرَّبُوهَا بِإِخْلَاصٍ وَحُسْنِ اعْتِقَادٍ، وَكَانَ يَبْكِي لِقِرَاءَةِ وِرْدِ السَّحَرِ، وَلَا يَبْكِي لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْجَهْلِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ عَيْنُ مَا وَقَعَ لِمَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْعُبَّادِ

وَالرُّهْبَانِ. وَإِنَّنَا نَكْشِفُ الْغِطَاءَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ، الَّتِي قَدْ تُعَدُّ عُذْرًا لِجَاهِلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ الْمَرْضِيَّةِ، دُونَ مَنْ تَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةُ الْعِلْمِ، وَنَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِبَيَانِ الْحَقَائِقِ الْآتِيَةِ:

(١) إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَعْلَمُ بِمَا يُرْضِيهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عِبَادَتِهِ وَمَا يَتَزَكَّى بِهِ عَابِدُوهُ مِنْهَا، وَلَا يُبِيحُ الْإِيمَانُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ يَعْتَقِدَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ شُيُوخِ الطَّرِيقِ وَالْأَوْلِيَاءِ يُسَاوِي عِلْمُهُ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى أَوْ عِلْمَ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِذَلِكَ. دَعِ الظَّنَّ بِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا لَا يَعْلَمُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَوْ فَوْقَ مَا يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ أَصْرَحُ فِي الْكُفْرِ بِقَدْرِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ (أَفْعَلَ) فِي الْمَوْضُوعِ.

(٢) إِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (٥: ٣) فَكُلُّ مَنْ يَزِيدُ فِي الْإِسْلَامِ عِبَادَةً أَوْ شِعَارًا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ فَهُوَ مُنْكِرٌ لِكَمَالِهِ مُدَّعٍ لِإِتْمَامِهِ، وَأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي الدِّينِ مِنْ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْإِمَامِ مَالِكٍ الْقَائِلِ: " مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خَانَ الرِّسَالَةَ " وَالْقَائِلِ: " لَا يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا ".

(٣) إِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ (٧: ٣) وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَغَيْرِ الْمِنْبَرِ: وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ عَامَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالْعِبَادَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا، وَأَنَّ الْبِدْعَةَ الَّتِي تَنْقَسِمُ إِلَى حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ هِيَ الْبِدْعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>