للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي مَوْضُوعُهَا الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ مِنْ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ، كَوَسَائِلِ الْجِهَادِ وَتَأْلِيفِ الْكُتُبِ وَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ.

إِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا الصَّالِحُونَ هِيَ مِنَ الْمَشْرُوعِ بِإِطْلَاقَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْعَامَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٣٣: ٤١) وَقَوْلِهِ: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٣٣: ٥٦) فَلَا تُنَافِي مَا تَقَدَّمَ - قُلْنَا:

(٤) إِنَّ حَقِيقَةَ الِاتِّبَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَلْتَزِمَ إِطْلَاقَ مَا أَطْلَقَتْهُ نُصُوصُ

الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَقْيِيدَ مَا قَيَّدَتْهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: " وَصَلَاةُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ بِدْعَتَانِ قَبِيحَتَانِ مَذْمُومَتَانِ " - وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ - وَمَا ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمَا قُيِّدَتَا بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَزَمَنٍ مَخْصُوصٍ وَهَذَا حَقُّ الشَّارِعِ لَا الْمُكَلَّفِ - وَإِلَّا فَهُمَا مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ فَصَّلَ هَذَا الْمَوْضُوعَ الْإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ.

(٥) إِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ كَالنَّقْصِ مِنْهُ، وَإِنَّ التَّكَلُّفَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الْمَشْرُوعِ مِنْهَا غُلُوٌّ فِي الدِّينِ، وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ، وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ النَّهْيُ عَنْهُ، وَالْأَمْرُ بِالْمُسْتَطَاعِ مِنْهُ.

(٦) إِنَّ الزِّيَادَةَ لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهَا زِيَادَةً إِلَّا مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْأَصْلِ، فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْمَأْثُورِ الْمَشْرُوعِ، وَأَتَى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْمُبْتَدَعَةِ فَهُوَ مُفَضِّلٌ لَهُ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَكَفَى بِذَلِكَ ضَلَالًا وَاتِّبَاعًا لِلْهَوَى، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ إِتْيَانِهِ بِجَمِيعِ مَا صَحَّ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ الْمُتَعَبِّدِينَ بِهَذِهِ الْأَوْرَادِ وَالْأَحْزَابِ لَا يُعْنَوْنَ بِحِفْظِ الْمَأْثُورِ وَلَا يَعْلَمُونَهُ، إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْعَامَّةِ كَالْوَارِدِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ، وَهُمْ يَبْتَدِعُونَ فِيهِ بِالِاجْتِمَاعِ لَهُ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّاطِبِيُّ وَسَمَّاهُ الْبِدْعَةَ الْإِضَافِيَّةَ، وَرَدَّ بِحَقٍّ عَلَى مَنْ تَسَاهَلَ فِيهِ مِنَ الْمُتَفَقِّهَةِ.

(٧) إِنَّ هَذِهِ الْأَوْرَادَ وَالْأَحْزَابَ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ أُمُورٍ مُنْكَرَةٍ فِي الشَّرْعِ، وَأُمُورٍ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنْهُ، كَوَصْفِ اللهِ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ أَوِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ، أَوْ بِحُقُوقِهِمْ عَلَيْهِ بِدُونِ إِذْنِهِ، أَوِ الْقَسَمِ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ سَمَّاهُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شِرْكًا، وَكَذَا وَصْفُ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَا لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِهِ، وَإِسْنَادُ أَفْعَالٍ إِلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ بِهَا رِوَايَةٌ، وَكَذَا الْغُلُوُّ فِيهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِمَا لَا يَلِيقُ إِلَّا بِرَبِّهِ وَخَالِقِهِ وَخَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ. وَلِبَعْضِ الدَّجَّالِينَ الْمُعَاصِرِينَ صَلَوَاتٌ وَأَوْرَادٌ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ

مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَمْثَالِهَا، وَالَّذِينَ يَعْرِفُونَ سِيرَةَ هَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ وَضَعُوهَا لِلتِّجَارَةِ بِالدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>