صَارَتِ الشُّعُوبُ الْإِسْلَامِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ، وَتَنْفِيرِ الْأُمَمِ عَنِ الْإِسْلَامِ، إِلَّا بِتَرْكِ هِدَايَتِهِمَا إِلَى الْبِدَعِ أَوِ الْإِلْحَادِ؟ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَالْغُلَاةُ الْمُبْتَدِعُونَ لِهَذِهِ الْأَوْرَادِ وَالصَّلَوَاتِ يَخْدَعُونَ الْعَوَامَّ بِمَا يَمْزُجُونَهُ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ مَعَ تَحْرِيفِهِمْ لَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا أَوْ لِأَجْلِهَا، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَالصَّالِحِينَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ صُرَاحٌ، وَمَا لَيْسَ لَهُ سَنَدٌ يُعْتَدُّ بِهِ، وَيَرُدُّونَ عَلَى دُعَاةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَوْ يَكْرَهُونَ تَعْظِيمَهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - ; لِأَنَّهُمْ يَقِفُونَ فِيهِ عِنْدَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ - وَبِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الْأَوْلِيَاءَ وَيُنْكِرُونَ مُكَاشَفَاتِهِمْ وَكَرَامَاتِهِمْ، وَالْعَوَامُّ يَقْبَلُونَ هَذَا مِنْهُمْ لِجَهْلِهِمْ بِعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ، وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا بِفِعْلِهِ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى إِلَّا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَّا الشِّيعَةُ الْإِمَامِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِعِصْمَةِ ١٢ رَجُلًا مِنْ آلِ الْبَيْتِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ أَيْضًا.
وَقَدْ أَرْسَلَ رَجُلٌ مِنْ دَجَّالِي عَصْرِنَا صَلَوَاتِهِ وَبَعْضَ كُتُبِهِ مَعَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ
الصَّالِحِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ ; لِتَوْزِيعِهَا فِيهَا عَلَى نَفَقَةِ بَعْضِ الْأَغْنِيَاءِ الْأَغْبِيَاءِ، فَرَأَى ذَلِكَ الْحَاجُّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي نَوْمِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْمَدِينَةِ بِلَيْلَةٍ يَأْمُرُهُ بِأَلَّا يُدْخِلَ تِلْكَ الْكُتُبَ فِي مَدِينَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَدَفَنَهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، ثُمَّ أَخْبَرَ صَاحِبَهَا بِمَا رَأَى بَعْدَ عَوْدَتِهِ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ النَّاسِ فَبُهِتَ الدَّجَّالُ.
إِنَّ فِي بَعْضِ كُتُبِ الصُّوفِيَّةِ كَثِيرًا مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْفَوَائِدِ وَالْمَوَاعِظِ الْمُؤَثِّرَةِ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَهَا قَدْ أَفْسَدَ فِي دِينِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ إِلَى مِثْلِهِ شُبُهَاتُ الْفَلَاسِفَةِ وَآرَاءُ مُبْتَدِعَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ ; لِأَنَّ هَذَيْنَ النَّوْعَيْنِ لَا يَنْظُرُ فِيهِمَا إِلَّا بَعْضُ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ الْعَقْلِيِّ، وَأَمَّا كُتُبُ الصُّوفِيَّةِ فَيَنْظُرُ فِيهَا جَمِيعُ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَتْ أَدَقَّ عِبَارَةً، وَأَخْفَى إِشَارَةً مِنْ كُتُبِ الْفَلَاسِفَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ خَيْرَ صُوفِيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ السَّابِقُونَ، الَّذِينَ كَانُوا لَا يَتَصَوَّفُونَ إِلَّا بَعْدَ تَحْصِيلِ عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ وَالِاعْتِصَامِ بِالْعَمَلِ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ كَالْإِمَامِ الْجُنَيْدِ وَطَبَقَتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِمُ الْغُلَاةُ وَمَنْ يُسَمَّوْنَ صُوفِيَّةَ الْحَقَائِقِ، فَابْتَدَعُوا مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمُ الْأَئِمَّةُ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: مَنْ تَصَوَّفَ أَوَّلَ النَّهَارِ لَا يَأْتِي آخِرُهُ إِلَّا وَهُوَ مَجْنُونٌ.
وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ مِنْ أَجَلِّ عُلَمَاءِ الصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْجُنَيْدُ وَكَانَ مِنَ الْتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ بِحَيْثُ لَمْ يَأْخُذْ مِمَّا خَلَّفَهُ وَالِدُهُ مِنَ الْمَالِ الْكَثِيرِ دَانَقًا وَاحِدًا عَلَى شِدَّةِ فَقْرِهِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَمَا كَانَ وَالِدُهُ إِلَّا وَاقِفِيًّا، أَيْ لَا يَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَقُولُ: هُوَ مَخْلُوقٌ، وَقَدْ أَلَّفَ الْحَارِثُ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute