للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهَا مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَأَمَّا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْقَاسِمُ لِلْغَنَائِمِ وَالصَّدَقَاتِ بِإِعْطَائِهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَلِذَلِكَ خُصَّ اللهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ بِالْفَضْلِ. وَفِيهَا مِنْ أُصُولِ التَّوْحِيدِ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لِلَّهِ وَحْدَهُ وَمَا لَهُ وَلِلرَّسُولِ أَمْرَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُحْسِبَ الْكَافِيَ لِلْعِبَادِ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، وَلِهَذَا أَرْشَدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: (حَسْبُنَا اللهُ) وَلَمْ يَقُلْ وَرَسُولُهُ كَمَا قَالَ فِي الْإِيتَاءِ، وَ (ثَانِيهِمَا) أَنَّ تَوَجُّهَ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يَرْغَبُهُ وَيَرْجُوهُ مِنَ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ يَجِبُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهِ: (إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ) (٩: ٥٩) وَمِنْهُ (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (٩٤: ٨) أَيْ دُونَ غَيْرِهِ (رَاجِعْ ص ٢٤١ وَمَا بَعْدَهَا ج ١٠ ط الْهَيْئَةِ) .

(٨) قَوْلُهُ تَعَالَى (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) (٩: ٦٢) فَمُقْتَضَى الْإِيمَانِ الَّذِي لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ - تَحَرِّي الْمُؤْمِنِ إِرْضَاءَ اللهِ وَرَسُولِهِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأَوْلَى وَإِرْضَاءَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَاتِهِمْ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ التَّابِعَةِ الْأُولَى ; ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُرْضِي رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرْضِيهِ، فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَقَدْ يُرْضِي بَعْضُهُمْ مَا لَا يُرْضِي اللهَ وَرَسُولَهُ لِجَهْلِهِ بِمَا يُرْضِيهِمَا أَوْ غَفْلَتِهِ عَنْهُ أَوِ اتِّبَاعِهِ لِهَوَاهُ فِيهِ. وَمِنْهُ فِي مَوْضُوعِ الْآيَةِ فِي أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رُبَّمَا كَانُوا يُصَدِّقُونَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي اعْتِذَارِهِمْ عَمَّا اتُّهِمُوا بِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا يَعْلَمُهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ بَاطِنِ أَمْرِهِمْ وَمَا أَعْلَمَ بِهِ رَسُولَهُ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (٩: ٩٦) .

(٩) قَوْلُهُ (تَعَالَى أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ)

(٩: ٦٣) الْآيَةَ هَذِهِ مُقَابِلَةٌ لِمَا قَبْلَهَا فَإِنَّ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ أَيْ يُعَادِيهِ يُعَادِي رَسُولَهُ كَمَا أَنَّ مَنْ يُرْضِي أَحَدَهُمَا يُرْضِي الْآخَرَ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْجَزَاءُ وَاحِدًا.

(١٠) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَخُوضُونَ فِي مَسْأَلَةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَيَهْزَءُونَ بِمُحَاوَلَةِ غَزْوِ الرُّومِ وَرَجَاءِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّصْرَ عَلَيْهِمْ وَبِمَا كَانَ وَعَدَ بِهِ أَصْحَابَهُ مِنَ الظَّفَرِ بِمُلْكِهِمْ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (٩: ٦٥) فَحُكْمُ الِاسْتِهْزَاءِ بِاللهِ وَآيَاتِهِ الْكُفْرُ، وَهُوَ حُكْمُ الِاسْتِهْزَاءِ بِرَسُولِهِ ; لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي وَعَدَ رَسُولَهُ بِالنَّصْرِ وَأَمَرَهُ بِالْغَزْوِ، وَرَسُولُهُ إِنَّمَا بَلَّغَ عَنْهُ آيَاتِهِ وَوَعْدَهُ فِي ذَلِكَ.

(١١) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) (٩: ٩٠) الْآيَةَ. مَعْنَى كَذِبِهِمْ إِيَّاهُمَا إِظْهَارُ الْإِيمَانِ بِهِمَا كَذِبًا وَخِدَاعًا وَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>