كَذَّبَ الرَّسُولَ فِي دَعْوَى الْإِيمَانِ فَقَدْ كَذَّبَ اللهَ - وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ - وَاسْتَحَقَّ الْجَزَاءَ الَّذِي فِي الْآيَةِ.
(١٢) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ الصَّادِقَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ الْوَاجِبِ (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) (٩: ١٩) فَاشْتَرَطَ لِقَبُولِ عُذْرِهِمْ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْقِتَالِ النُّصْحَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِمَا فِي مُقَاوَمَةِ الْأَعْدَاءِ وَمُسَاعَدَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَالنُّصْحُ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ.
(١٣) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُعْتَذِرِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى تَبُوكَ (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (٩: ٩٤) الْآيَةَ. وَالْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ رُؤْيَةِ الرَّسُولِ لَهَا إِعْلَامُهُمْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَيُعَامِلُهُمْ بِمُقْتَضَاهَا فِي الدُّنْيَا، دُونَ أَقْوَالِهِمْ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَخَلُّفِهِمْ وَغَيْرِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ. وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللهِ تَعَالَى لَهَا فَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَتِمَّةِ الْآيَةِ (بِأَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ) وَفِي مَعْنَاهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (٩: ١٠٥) هَذِهِ الْآيَةُ حَثٌّ عَلَى الْعَمَلِ النَّافِعِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْمُؤْمِنُونَ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ لِتَذْكِيرِ الْعَامِلِينَ
بِأَنَّ اللهَ يَرَى أَعْمَالَهُمْ وَهُوَ الَّذِي يُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِحْسَانُ وَالْإِخْلَاصُ لَهُ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ شَرْعِهِ فِيهَا. وَبِأَنَّ رَسُولَهُ يَرَاهَا وَيُعَامِلُهُمْ بِمُقْتَضَاهَا.
وَهَذَا خَاصٌّ بِحَالِ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ فِيهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى لِيَتَحَرَّوْا أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ - ثُمَّ لِتَذْكِيرِهِمْ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهَا فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا فِيهَا سَبِيلَهُمْ وَيَتَحَرَّوْا فِيهَا مَا يُوَافِقُ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ الَّتِي يَشْتَرِكُونَ فِيهَا، وَجَمَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى (رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي مَوْضِعِهَا بِأَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ)
(١٤) قَوْلُهُ تَعَالَى (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ) (٩: ٩٩) فَهَذَا ضَرْبٌ مِنِ اقْتِرَانِ اسْمِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْمِ اللهِ تَعَالَى فِي مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ مَعَ الْفَصْلِ فِيهِ بَيْنَ مَا لَهُ تَعَالَى وَمَا لِرَسُولِهِ. فَالَّذِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ هُوَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ وَابْتِغَاءُ الْمَرْضَاةِ وَالْمَثُوبَةِ، وَالَّذِي لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ طَلَبُ صَلَوَاتِهِ أَيْ أَدْعِيَةٍ إِذْ كَانَ يَدْعُو لِلْمُتَصَدِّقِينَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ (فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ) .
وَكُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ مِمَّا يُفَنِّدُ دَعْوَى بَعْضِ الْمَلَاحِدَةِ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ الْقُرْآنُ وَحْدَهُ دُونَ سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَكَذَلِكَ مَا تَرَى فِي الْفَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute