للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَرْقِيَةِ رُوحِهِ بِحَيْثُ تَكُونُ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ذِي الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ الْأَعْلَى - وَأَهْلًا لِجِوَارِهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ يَكُونُ نَاقِصًا وَإِنَّمَا يَكُونُ كَامِلًا إِذَا خَرَجَ عَنْ طَبْعِهِ، وَقَصَدَ النَّفْعَ بِعَمَلِهِ لِغَيْرِهِ دُونَ نَفْسِهِ، وَدُونَ إِرْضَاءِ رَبِّهِ وَمَنْ ذَا الَّذِي يَحِدُّ حَقِيقَةَ هَذَا الْخَيْرِ لِلْبَشَرِ وَيَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ؟

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ أَرْكَانَ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ مَأْثُورَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَحْيُ وَهِدَايَةُ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ كَانَ قَدْ دَبَّ إِلَيْهَا الْفَسَادُ بِتَعَالِيمِ الْوَثَنِيَّةِ وَبِدَعِهَا، فَجَاءَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ بِهَذَا الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، فَأَصْلَحَ مَا كَانَ مِنْ فَسَادِهَا الَّذِي جَعَلَهَا غَيْرَ كَافِلَةٍ لِسَعَادَةِ الْبَشَرِ الْآخِذِينَ بِهَا، مِنْ شَوْبِ الْإِيمَانِ بِاللهِ بِالشِّرْكِ وَالتَّشْبِيهِ بِالْخَلْقِ، وَجَعَلَ الْجَزَاءَ بِالْمُحَابَاةِ وَالْفِدَاءِ، لَا بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَجَعَلَ الْعِبَادَاتِ تَقَالِيدَ كَاللَّعِبِ وَاللهْوِ، غَيْرَ مُثْمِرَةٍ لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا رَاجِحَةً فِي مِيزَانِ الْعَقْلِ، وَعِبَادَاتُ الْإِسْلَامِ وَآدَابُهُ كُلُّهَا مَعْقُولَةٌ مُكَمِّلَةٌ لِفِطْرَةِ الْإِنْسَانِ.

وَإِنَّنَا نُقَفِّي عَلَى هَذَا بِبَيَانِ الْقُرْآنِ لِمَا جَعَلَهُ الْبَشَرُ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَوَظَائِفِ الرُّسُلِ، ثُمَّ نَعُودُ إِلَى بَيَانِ مَا فِي وَحْيِ الْقُرْآنِ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِصْلَاحِ الْعَامِّ الدَّائِمِ لِلْبَشَرِ، الدَّالِّ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ لَا مِنْ مَعَارِفِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّابِعَةِ مِنْ نَفْسِهِ.

الْمَقْصِدُ الثَّانِي مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ

(بَيَانُ مَا جَهِلَ الْبَشَرُ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَوَظَائِفِ الرُّسُلِ)

كَانَتِ الْعَرَبُ تُنْكِرُ الْوَحْيَ وَالرِّسَالَةَ إِلَّا أَفْرَادًا مِنْ بَقَايَا الْحُنَفَاءِ فِي الْحِجَازِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِمُجَاوَرَتِهِ لِأَهْلِهِمَا وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. وَكَانَتْ شُبْهَةُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى الْوَحْيِ اسْتِبْعَادَ اخْتِصَاصِ اللهِ تَعَالَى بَعْضَ الْبَشَرِ بِهَذَا التَّفْضِيلِ عَلَى سَائِرِهِمْ، وَهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي الصِّفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ بِزَعْمِهِمْ، وَيَقْرُبُ مِنْهُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يُخْتَصَّ تَعَالَى بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ وَالْمِنَّةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ أَنْ يَحْصُرَ النُّبُوَّةَ فِي شَعْبِ إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُ، كَأَنَّ بَقِيَّةَ الْبَشَرِ لَيْسُوا مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ مَا أَعْطَاهُ لِلْيَهُودِ مِنْ هِدَايَةِ النُّبُوَّةِ. عَلَى أَنَّهُمْ وَصَفُوا الْأَنْبِيَاءَ بِالْكَذِبِ وَالْخِدَاعِ وَالِاحْتِيَالِ عَلَى اللهِ وَمُصَارَعَتِهِ وَارْتِكَابِ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَسَمِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ، وَوَافَقَهُمُ النَّصَارَى عَلَى حَصْرِ النُّبُوَّةِ فِيهِمْ، وَأَثْبَتُوا قَدَاسَةَ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ رُسُلِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمْ وَعَبَدُوهُمْ أَيْضًا، عَلَى أَنَّهُمْ نَقَلُوا عَنْ بَعْضِ خَوَاصِّ تَلَامِيذِهِ إِنْكَارَهُ إِيَّاهُ فِي وَقْتِ الشِّدَّةِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ لِأَعْدَائِهِ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: ((كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَاتَّخَذَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ وَقُسُوسَهُمْ أَرْبَابًا

<<  <  ج: ص:  >  >>