للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللهِ تَعَالَى، وَبِمَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ نَفْعِ الْعِبَادِ وَهِدَايَتِهِمْ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ جِدًّا. قَالَ اللهُ تَعَالَى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (٢: ٢٥٣) .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ أَنَّ مُحَمَّدًا خَاتَمَ النَّبِيِّينَ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، وَأَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ، هُوَ الَّذِي رَفَعَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ دَرَجَاتٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَةِ بِالْإِجْمَالِ وَفَصَّلْنَاهُ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَقْصَدَ التَّفْصِيلِ.

وَإِنَّكَ لَتَجِدُ مَعَ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَتْبَاعِهِ: ((لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ)) قَالَهُ إِنْكَارًا عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَطَمَ يَهُودِيًّا لِأَنَّهُ قَالَ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَشَكَاهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا عَلَى صَاحِبِهِ الْمُسْلِمِ وَقَالَهُ.

وَبَيَّنَ مَزِيَّةً لِمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ: ((وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى)) وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ: ((لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ)) وَفِي بَعْضِهَا ((لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى)) وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَنْعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَنْقِيصِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَمِنَ التَّعَادِي بَيْنَ النَّاسِ، وَمِنَ الْغُلُوِّ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ قَالَ فِي تَعْلِيلِ نَهْيِهِ عَنْ سُؤَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ: ((وَاللهِ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي)) رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

فَصْلٌ فِي الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ بِهَا رُسُلَهُ

(وَمَا يُشْبِهُ بَعْضَهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ، وَمَا يُشْتَبَهُ بِهَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَضَلَالِ الْمَادِّيِّينَ وَالْخُرَافِيِّينَ فِيهَا)

تَكَلَّمْنَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّصَارَى بِالْعَجَائِبِ، وَيُسَمِّيهَا عُلَمَاءُ الْكَلَامِ مِنَّا بِالْمُعْجِزَاتِ، وَيَعُدُّونَهَا قِسْمًا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ الَّتِي جَعَلُوهَا عِدَّةَ أَقْسَامٍ، وَنَقُولُ هُنَا كَلِمَةً وَجِيزَةً فِي إِصْلَاحِ الْإِسْلَامِ لِضَلَالِ الْبَشَرِ فِيهَا، وَالصُّعُودِ بِهِمْ أَعْلَى مَرَاقِي الْإِيمَانِ، اللَّائِقِ بِطَوْرِ الرُّشْدِ الْعَقْلِيِّ لِنَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَالْعِلْمِ الْوَاسِعِ بِسُنَنِ الْأَكْوَانِ، الَّذِي مَنَحُوهُ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَنَقُولُ:

آيَاتُ اللهِ نَوْعَانِ:

آيَاتُ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ نَوْعَانِ: (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) الْآيَاتُ الْجَارِيَةُ عَلَى سُنَنِهِ تَعَالَى فِي نِظَامِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ، وَهِيَ أَكْثَرُهَا وَأَظْهَرُهَا وَأَدَلُّهَا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَسَعَةِ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ. (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) الْآيَاتُ الْجَارِيَةُ عَلَى خِلَافِ السُّنَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>