للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا لِلْحِجَابِ، وَإِدْرَاكِ مَا لِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَارِ، كَانَ بِهَا إِيمَانُهُمْ بِرُسُلِهِمْ فَوْقَ إِيمَانِ أَهْلِ الْبُرْهَانِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كُشِفَ الْحِجَابُ مَا ازْدَدْتُ يَقِينًا.

وَمِنْ دُونِ هَؤُلَاءِ أَفْرَادٌ آخَرُونَ، قَدْ يَكُونُ مَنْ لَهُمْ سَلَامَةُ الْفِطْرَةِ، أَوْ مُعَالَجَةُ النَّفْسِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الرِّيَاضَةِ أَوْ مِنْ طُرُوءِ مَرَضٍ يَصْرِفُ قُوَى النَّفْسِ عَنِ الِاهْتِمَامِ بِشَهَوَاتِ الْجَسَدِ، أَوْ مِنْ سُلْطَانِ إِرَادَةٍ قَوِيَّةٍ عَلَى إِرَادَةٍ ضَعِيفَةٍ، تَصْرِفُهَا عَنْ حِسِّهَا، وَتُوَجِّهُ قُوَاهَا النَّفْسِيَّةَ إِلَى مَا شَاءَتْ أَنْ تُدْرِكَهُ لِقُوَّتِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا - قَدْ يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الْأَفْرَادِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِنْ قُوَّةِ الرُّوحِ مَا يَلْمَحُونَ بِهِ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ أَوِ الْأَشْخَاصِ الْبَعِيدَةِ عَنْهُمْ، وَتَتَمَثَّلُ لَهُمْ بَعْضُ الْأُمُورِ قَبْلَ وُقُوعِهَا مُرْتَسِمَةً فِي خَيَالِهِمْ، فَيُخْبِرُونَ بِهَا فَتَقَعُ كَمَا أَخْبَرُوا.

الْخَوَارِقُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالصُّورِيَّةُ عِنْدَ الْأُمَمِ:

إِنَّ الْأُمُورَ الَّتِي تَأَتَّى فِي الظَّاهِرِ عَلَى غَيْرِ السُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، أَوِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَاتِ الْمَأْلُوفَةِ مَنْقُولَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ فِي جَمِيعِ الْعُصُورِ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا فِي جِنْسِهِ دُونَ أَفْرَادِ وَقَائِعِهِ وَلَيْسَتْ كُلُّهَا خَوَارِقَ حَقِيقِيَّةً، فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَهُ أَسْبَابٌ مَجْهُولَةٌ لِلْجُمْهُورِ، وَإِنَّ مِنْهَا لِمَا هُوَ صِنَاعِيٌّ يُسْتَفَادُ بِتَعْلِيمٍ خَاصٍّ، وَإِنَّ مِنْهَا لِمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ قُوَى النَّفْسِ وَتَأْثِيرِ أَقْوِيَاءِ الْإِرَادَةِ، فِي ضُعَفَائِهَا وَيَدْخُلُ فِي هَذَيْنِ الْمُكَاشَفَةُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَالتَّنْوِيمُ الْمِغْنَاطِيسِيُّ، وَشِفَاءُ بَعْضِ الْمَرْضَى وَلَا سِيَّمَا الْمُصَابِينَ بِالْأَمْرَاضِ الْعَصَبِيَّةِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا الِاعْتِقَادُ وَالْوَهْمُ، وَمِنْهَا بَعْضُ أَنْوَاعِ الْعَمَى وَالْفَالِجِ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَفْقِدُ بَصَرَهُ بِمَرَضٍ يَطْرَأُ عَلَى أَعْصَابِ عَيْنَيْهِ وَهُمَا صَحِيحَتَانِ تَلْمَعَانِ فِي وَجْهِهِ، أَوْ يَغْشَاهُمَا بَيَاضٌ عَارِضٌ مَعَ بَقَاءِ طَبَقَاتِهِمَا صَحِيحَةً. وَلَيْسَ مِنْهُ الْكَمَهُ وَالْعَمَى الَّذِي يَقَعُ بِطَمْسِ الْعَيْنَيْنِ وَغُئُورِهِمَا كَالَّذِي أَبْرَأَهُ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى. وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْأَنْوَاعَ مِنَ الْخَوَارِقِ الصُّورِيَّةِ فِي بَحْثِ السِّحْرِ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَفِي الْمَقَالَاتِ الَّتِي عَقَدْنَاهَا لِلْكَرَامَاتِ وَأَنْوَاعِهَا وَتَعْلِيلِهَا فِي الْمُجَلَّدِ الثَّانِي مِنَ الْمَنَارِ وَأَتْمَمْنَاهَا فِي الْمُجَلَّدِ السَّادِسِ مِنْهُ.

إِنَّ عَوَامَّ الشُّعُوبِ الَّذِينَ يَجْهَلُونَ تَوَارِيخَ الْأُمَمِ، وَمَا وُجِدَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْغَرَائِبِ، وَمَا كَشَفَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ حِيَلٍ فِيهَا وَعِلَلٍ، يَغْتَرُّونَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْهَا، وَيَخْضَعُونَ

لِلدَّجَّالِينَ وَالْمُحْتَالِينَ الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَهَا، وَيُمَكِّنُونَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَيَسْلُبُونَهَا، وَيَأْتَمِنُونَهُمْ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ فَيَنْتَهِكُونَهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانُوا يَأْتُونَ مَا يَأْتُونَ مِنْهَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَعَجَائِبِ الْقِدِّيسِينَ، وَيَقِلُّ تَصْدِيقُ هَذَا وَالِانْقِيَادُ لِأَهْلِهِ حَيْثُ يَنْتَشِرُ تَعْلِيمُ التَّوَارِيخِ وَمَا عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>