للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكَافِرُونَ بِالْآيَاتِ صِنْفَانِ. مُكَذِّبُونَ وَمُشْرِكُونَ، وَعِلَاجُ كُلٍّ مِنْهُمَا:

الْكَافِرُونَ بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى صِنْفَانِ: صِنْفٌ يُكَذِّبُهَا كُلَّهَا وَلَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَصِنْفٌ يُشْرِكُ بِاللهِ غَيْرَهُ فِيهَا، فَيَنْحَلُهُ مَا هُوَ خَاصٌّ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، وَيُشَرِّعُ لِلنَّاسِ أَنْ يَعْبُدُوا هَؤُلَاءِ الْأَغْيَارَ بِدُعَائِهِمْ مِنْ دُونِهِ، وَاسْتِغَاثَتِهِمْ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، بِدَعْوَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَعْطَاهُمُ الْقُدْرَةَ الْغَيْبِيَّةَ عَلَى ذَلِكَ لِمَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَجَاهِهِمْ عِنْدَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي أَشْرَكَهُمْ مَعَهُ فَأَعْطَاهُمْ هَذَا التَّصَرُّفَ فِي عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَتَحَامَوْنَ أَلْفَاظَ الْعِبَادَةِ وَالشِّرْكِ وَالْخَلْقِ دُونَ مَعَانِيهَا، فَيَكْذِبُونَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِمْ بِمَا يُكَذِّبُهُمْ بِهِ كِتَابُهُ الْمُنَزَّلُ، وَنَبِيُّهُ الْمُرْسَلُ، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ

آيَاتِ الْكِتَابِ فَيَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى جَهْلِهِمْ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّ اللهَ كَانَ يَرْزُقُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَمَا كَانَ رِزْقُهَا مِنْ فِعْلِهَا، وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ كَيْفَ سَخَّرَهُ اللهُ لَهَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بِتَسْخِيرِ بَعْضِ النَّاسِ لَهَا، وَوَحْيِهِ إِلَى أُمِّ مُوسَى وَمَا هُوَ مِنْ فِعْلِهَا. وَقَدْ قِيلَ بِنُبُوَّتِهَا.

وَإِنَّ إِفْسَادَ هَؤُلَاءِ الْخُرَافِيِّينَ لِلْبَشَرِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ لَأَشَدُّ مِنْ إِفْسَادِ الْمُنْكِرِينَ لِلْآيَاتِ الْمُكَذِّبِينَ بِهَا، بِأَنَّهُمْ أَكْبَرُ أَسْبَابِ هَذَا الْإِنْكَارِ وَالتَّكْذِيبِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَمَنْ دُونَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْخَلْقِ بِمَا يُخَالِفُ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِيهِ، أَوْ يُبَدِّلُهَا بِغَيْرِهَا وَيُحَوِّلُهَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ. وَزَعْمُهُمْ أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ وَجَعَلَهُ أَسَاسَ دِينِهِ، فَكَذَّبُوا بِالدِّينِ مِنْ أَسَاسِهِ، فَتَكُونُ فِتْنَتُهُمْ شَامِلَةً لِفَرِيقَيِ الْكَفَّارِ بِالْآيَاتِ - فَرِيقِ الْمُكَذِّبِينَ وَفَرِيقِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مَعَ هَذَا قَوْلٌ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللهِ بِكَوْنِهِ شَرْعًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، وَهُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ بِاللهِ ; لِأَنَّ ضَرَرَهُ مُتَعَدٍّ بِمَا فِيهِ مِنْ إِضْلَالِ النَّاسِ بِاعْتِقَادٍ بَاطِلٍ يَتْبَعُهُ عِبَادَةٌ بَاطِلَةٌ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ.

عِلَاجُ خُرَافَةِ تَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْكَوْنِ:

أَمَّا الَّذِينَ يُشْرِكُونَ بِاللهِ فِي عِبَادَتِهِ بِجَهْلِهِمْ لِآيَاتِهِ، وَتَقْلِيدِ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فِي خُرَافَاتِهِمْ فَلَا عِلَاجَ لَهُمْ إِلَّا تَعْلِيمُهُمْ تَوْحِيدَ اللهِ الْخَالِصَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ، دُونَ نَظَرِيَّاتِ كُتُبِ الْكَلَامِ، وَتَعْلِيمُهُمْ وَظَائِفَ الرُّسُلِ وَكَوْنَهُمْ بَشَرًا، اخْتَصَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بِوَحْيِهِ لِتَبْلِيغِ عِبَادِهِ مَا ارْتَضَاهُ لَهُمْ مِنَ الدِّينِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَحَصْرِ اخْتِصَاصِهِمْ بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ تَبْشِيرًا وَإِنْذَارًا وَتَنْفِيذِ أَحْكَامِ شَرْعِهِ فِيهِمْ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَلَمْ يُؤْتِهِمْ مِنَ التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ فِي خَلْقِهِ مَا يَقْدِرُونَ بِهِ عَلَى هِدَايَةِ أَقْرَبِ النَّاسِ وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْهِمْ بِالطَّبْعِ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَمَنْ دُونَهُمْ مِنْ أُولِي الْقُرْبَى، فَوَالِدُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَاشَ كَافِرًا وَمَاتَ كَافِرًا عَدُوًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ وَوَلَدُ نُوحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>