للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الْأُمَمِ مَاتَ كَافِرًا وَلَمْ يَأْذَنِ اللهُ تَعَالَى لَهُ بِحَمْلِهِ فِي السَّفِينَةِ فَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ الْمُغْرَقِينَ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَمُّ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ وَرَسُولِهِ أَشَدَّ أَعْدَائِهِ الصَّادِّينَ عَنْهُ الْمُؤْذِينَ لَهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَمِّهِ وَوَعِيدِهِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ يَتَعَبَّدُ بِهَا

الْمُؤْمِنُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَمْ يَنْزِلْ مِثْلُهَا فِي أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاءِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ كَانَ مِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ عَمَّهُ الَّذِي كَفَلَهُ وَرَبَّاهُ وَكَفَّ عَنْهُ أَذَى الْمُشْرِكِينَ مَا اسْتَطَاعَ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةِ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) لِيَشْهَدَ لَهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَامْتَنَعَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ شَرَحْنَا هَذَا الْمَوْضُوعَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) (٦: ٧٤) الْآيَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَّا فِي خُلَاصَةِ هَذِهِ السُّورَةِ (الْأَنْعَامِ) وَظَائِفَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِمَا يَحْسُنُ أَنْ يُرَاجِعَهُ مَنْ يُحِبُّ اسْتِيفَاءَ هَذَا الْمَوْضُوعِ وَإِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ الْمُرْسَلُونَ لَمْ يُؤْتُوا الْقُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْكَوْنِ فَكَيْفَ يُؤْتَاهُ الْأَوْلِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ؟

الْمُنْكِرُونَ لِلْمُعْجِزَاتِ وَشُبْهَةُ الْخَوَارِقِ الْكَسْبِيَّةِ عَلَيْهَا:

وَأَمَّا الْمُنْكِرُونَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ مَا يَنْقُلُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ آيَاتِ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهَا مِنَ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَلَا يُسَلِّمُونَ صِحَّةَ تَوَاتُرِهَا، إِذْ يَقِيسُونَ نَقْلَهُمْ لَهَا عَلَى مَا يَنْقُلُهُ الْعَوَامُّ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَقِدِينَ فِي بِلَادِهِمْ مِنَ الْخَوَارِقِ الْخَادِعَةِ الَّتِي مَثَارُهَا الْوَهْمُ وَالتَّخَيُّلُ، وَيَحْتَجُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ يُوسِيفُوسَ الْمُؤَرِّخَ الْيَهُودِيَّ الْمُعَاصِرَ لِلْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَنْقُلْ لِلنَّاسِ أَخْبَارَ عَجَائِبِهِ الَّتِي تَقُصُّهَا الْأَنَاجِيلُ الَّتِي أُلِّفَتْ بَعْدَهُ، وَيُعَلِّلُونَهَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ النَّقْلِ بِمَا يُعَلِّلُونَ بِهِ الْخَوَارِقَ الصُّورِيَّةَ الَّتِي يُشَاهِدُونَهَا فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَعْلِيلَهَا قَالُوا: إِنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَبَبٍ كَسْبِيٍّ يَظْهَرُ لَنَا أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ فَاعِلُوهَا، كَمَا وَقَعَ فِي أَمْثَالِهَا مِنْ صُوفِيَّةِ الْهِنْدُوسِ (الْفُقَرَاءِ) كَالِارْتِفَاعِ فِي الْهَوَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَغْرَبُ مِنْهُ.

رَوَتْ إِحْدَى الْجَرَائِدِ الْمِصْرِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ أَخْبَارِ سَائِحِي الْإِفْرِنْجِ فِي الْهِنْدِ حَادِثَةً لِفَقِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ اسْمُهُ سَارَجُوهَا رَدْيَاسْ وَقَعَتْ فِي سَنَةِ ١٨٣٧، وَخُلَاصَتُهَا أَنَّ هَذَا الْفَقِيرَ جَاءَ قَصْرَ الْمَهَرَاجَا رَانْجِيتْ سَنْجَا أَمِيرِ بَنْجَابَ وَعَرَضَ

عَلَيْهِ أَنْ يُرِيَهُ بَعْضَ كَرَامَاتِهِ، وَكَانَ الْمَهَرَاجَا لَا يُصَدِّقُ مَا يُنْقَلُ مِنْ خَوَارِقِ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يُرِيدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>