للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِظْهَارَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ يُدْفَنُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهِمْ حَيًّا، فَأَحْضَرَ الْمَهَرَاجَا نَفَرًا مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِنْكِلِيزِ وَالْفَرَنْسِيسِ وَأُمَرَاءِ بَنْجَابَ، فَجَلَسَ الْفَقِيرُ الْقُرْفُصَاءَ أَمَامَهُمْ فَكَفَّنُوهُ بَعْدَ أَنْ وَضَعُوا الْقُطْنَ وَالشَّمْعَ عَلَى أُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ - كَمَا أَوْصَاهُمْ - وَخَاطُوا عَلَيْهِ الْكَفَنَ وَوَضَعُوهُ فِي صُنْدُوقٍ مِنَ الْخَشَبِ السَّمِيكِ وَسَمَّرُوا غِطَاءَهُ وَوَضَعَ الْمَهَرَاجَا عَلَيْهِ خِتْمَهُ، وَدَفَنُوهُ فِي قَبْوٍ دَاخِلَ حُجْرَةٍ صَغِيرَةٍ فِي حَدِيقَةِ الْقَصْرِ وَأَقْفَلُوا بَابَهَا وَوَضَعَ الْمَهَرَاجَا خِتْمَهُ بِالشَّمْعِ عَلَى قُفْلِهَا، وَأَمَرَ اثْنَيْنِ مِنْ رِجَالِ حَرَسِهِ الْأُمَنَاءِ بِحِرَاسَتِهَا وَطَائِفَةً مِنْ جُنْدِهِ بِمُعَاوَنَتِهِمَا، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَشْهَدِ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْأُورُبِّيِّينَ وَالْبَنْجَابِيِّينَ وَحَاشِيَةِ الْمَهَرَاجَا.

وَلَمَّا تَمَّتِ الْأَرْبَعُونَ حَضَرَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ قَصْرَ الْمَهَرَاجَا وَشَاهَدُوا خِتْمَ الْحُجْرَةِ كَمَا كَانَ، وَالْعُشْبَ أَمَامَهَا فِي الْحَدِيقَةِ لَمْ تَطَأْهُ قَدَمُ أَحَدٍ، ثُمَّ فَتَحُوا بَابَ الْحُجْرَةِ وَامْتَحَنُوا أَخْتَامَ الْقَبْوِ ثُمَّ أَخْرَجُوا الصُّنْدُوقَ وَامْتَحَنُوا أَخْتَامَهُ فَوَجَدُوهَا كُلَّهَا عَلَى حَالِهَا، فَفَتَحُوهُ، وَأَخْرَجُوا الْفَقِيرَ مِنْهُ فَإِذَا هُوَ كَمَا وَصَفَهُ أَحَدُ أُولَئِكَ مِنَ الْإِنْجِلِيزِ. قَالَ:

لَمَّا فَتَحُوا الصُّنْدُوقَ وَأَخْرَجُوا الْفَقِيرَ مِنْهُ وَجَدْتُ الذِّرَاعَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ صُلْبَةً وَالرَّأْسَ مَائِلًا عَلَى إِحْدَى الْكَتِفَيْنِ، فَخِلْتُنِي أَمَامَ جُثَّةٍ هَامِدَةٍ فَارَقَتْهَا الْحَيَاةُ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ، فَطَلَبْتُ مِنْ طَبِيبِي أَنْ يَفْحَصَهَا فَانْحَنَى عَلَيْهَا وَجَسَّ الْقَلْبَ وَالصُّدْغَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَثَرًا لِلنَّبْضِ أَلْبَتَّةَ، وَلَكِنَّهُ شَعَرَ بِحَرَارَةٍ فِي مِنْطَقَةِ الدِّمَاغِ إِلَخْ.

ثُمَّ نَفَّذَ مَا أَوْصَى الْفَقِيرُ أَنْ يُعْمَلَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ، فَغَسَلَ الْجِسْمَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ فَرَدَّ عَلَى الْأَوْصَالِ لِينَهَا السَّابِقَ بِالتَّدْرِيجِ، وَأُزِيلَ الْقُطْنُ وَالشَّمْعُ عَنِ الْأُذُنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَوُضِعَتْ أَكْيَاسٌ دَافِئَةٌ عَلَى الرَّأْسِ فَدَبَّتِ الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ الْمُسَجَّى، وَتَقَلَّصَتِ الْأَعْصَابُ وَالْأَطْرَافُ ثُمَّ اضْطَرَبَتْ فَسَالَ مِنْهَا عَرَقٌ غَزِيرٌ وَعَادَتِ الْأَعْضَاءُ إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى، وَبَعْدَ دَقَائِقَ اتَّسَعَتْ حَدَقَتَا الْعَيْنَيْنِ وَعَادَ إِلَيْهِمَا لَوْنُهُمَا الطَّبِيعِيُّ، فَلَمَّا رَأَى الْفَقِيرُ الْمَهَرَاجَا شَاخِصًا إِلَيْهِ دَهِشًا مُتَحَيِّرًا قَالَ لَهُ: ((أَرَأَيْتَ يَا مَوْلَايَ صِدْقَ قَوْلِي وَفِعْلِي؟ وَبَعْدَ نِصْفِ سَاعَةٍ خَرَجَ مِنَ التَّابُوتِ وَأَنْشَأَ يُحَدِّثُ الْحَاضِرِينَ أَحْسَنَ حَدِيثٍ وَيُطْرِفُهُمْ بِمَا يُحَيِّرُ الْعُقُولَ. اهـ.

إِنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ مِنْ آيَاتِ اللهِ الَّتِي أَظْهَرَتْهَا الرِّيَاضَةُ الْمُكْتَسَبَةُ، وَهِيَ أَعْجَبُ مِنْ رِوَايَةِ الْإِنْجِيلِ لِمَوْتِ لِيعَازِرَ ثُمَّ حَيَاتِهِ بِدُعَاءِ الْمَسِيحِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ عَجَائِبِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَغْرَبُ مِنْ حَادِثَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَيْضًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْفَقِيرَ الْهِنْدِيَّ قَدْ سُدَّ أَنْفُهُ وَلُفَّ فِي كَفَنٍ وَوُضِعَ فِي تَابُوتٍ دُفِنَ تَحْتَ الْأَرْضِ، فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهَوَاءِ الَّذِي لَا يَعِيشُ أَحَدٌ بِدُونِهِ عَادَةً، وَأَهْلُ الْكَهْفِ نَامُوا فِي فَجْوَةٍ وَاسِعَةٍ مِنْ كَهْفٍ بَابُهُ إِلَى الشِّمَالِ، مَهَبِّ الْهَوَاءِ اللَّطِيفِ، وَكَانَتِ الشَّمْسُ تُصِيبُ مَدْخَلَهُ مِنْ جَانِبَيْهِ عِنْدَ شُرُوقِهَا وَعِنْدَ غُرُوبِهَا مَائِلَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>