للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُمُورٌ قَدْ وَقَعَتْ بِالْفِعْلِ، وَهَاكَ كَلِمَةٌ تَفْصِيلِيَّةٌ فِي عَدَدِ الْعَشْرِ فِي كُلٍّ مِنْهَا، يُعْلَمُ بِهَا تَرْجِيحُ الثَّالِثِ الَّذِي سَمَّوْهُ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا.

فَأَمَّا آيَاتُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ فَكَثِيرَةٌ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ السُّوَرِ مِنْ أَطْوَلِهَا إِلَى أَقْصَرِهَا الَّتِي هِيَ سُوَرُ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ.

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى وَجْهِ الْإِعْجَازِ بِتَكَرُّرِهَا الْمَبْثُوثِ فِي مِئَاتِ الْمَوَاضِعِ مِنَ السُّوَرِ الْكَثِيرَةِ الْمُخْتَلِفَةِ النَّظْمِ بِالْأَسَالِيبِ الْعَجِيبَةِ وَالْبَلَاغَةِ الدَّقِيقَةِ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مِنْ أَرْكَانِ الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ، وَأَقُولُ هُنَا: إِنَّ قِصَارَ الْمُفَصَّلِ الْمَكِّيَّةَ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ هُودٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا هِيَ: التِّينُ، وَالْعَادِيَاتُ، وَالْقَارِعَةُ وَالتَّكَاثُرُ، وَالْهُمَزَةُ، وَاللهَبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْمِيلِهَا مِمَّا قَبْلَ سُورَةِ الضُّحَى، وَلَا يَظْهَرُ لِلتَّحَدِّي بِعَشْرٍ مُفْتَرَيَاتٍ مِنْهَا مَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ طَوِيلَةً، فَهِيَ غَيْرُ مُرَادَةٍ بِالْعَشْرِ.

وَأَمَّا آيَاتُ وَعْدِ اللهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، وَوَعِيدِهِ الدُّنْيَوِيِّ لِلْكَافِرِينَ بِالْخِذْلَانِ وَالْعَذَابِ، فَلَا يُوجَدُ فِي قِصَارِ الْمُفَصَّلِ شَيْءٌ صَرِيحٌ مِنْهَا، وَلَكِنْ إِشَارَاتٌ فِي بَعْضِهَا (مِنْهَا) سُورَةُ (الْكَوْثَرِ) وَهِيَ أَقْصَرُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، فَفِيهَا الْوَعْدُ الصَّادِق

ُ

لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْطَائِهِ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ الدِّينِيَّ وَالدُّنْيَوِيَّ، وَمِنْهُ الْغِنَى بَعْدَ الْفَقْرِ الَّذِي كَانَ أَغْنِيَاءُ قَوْمِهِ يُعَيِّرُونَهُ بِهِ، وَالْوَعِيدُ الصَّادِقُ لِعَدُوِّهِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ الَّذِي سَمَّاهُ أَبْتَرَ عِنْدَ مَوْتِ ابْنِهِ الْقَاسِمِ، بِأَنَّهُ هُوَ الْأَبْتَرُ الَّذِي سَيَنْقَطِعُ ذِكْرُهُ بِنَسْلِهِ وَغَيْرِ نَسْلِهِ، وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ بَقَاءَ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذُرِّيَّتِهِ وَبِآثَارِ هِدَايَتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْفِعْلِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ خُلَاصَةَ تَفْسِيرِهَا فِي بَحْثِ إِعْجَازِ السُّوَرِ الْقِصَارِ مِنْ تَفْسِيرِ التَّحَدِّي بِآيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (وَمِنْهَا) سُورَةُ (اللهَبِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مِنْهَا خَبَرٌ بِهَلَاكِ أَبِي لَهَبٍ وَامْرَأَتِهِ، وَإِذَا قِيلَ إِنَّهَا دُعَاءٌ فَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ وَقَدْ صَدَقَ، فَقَدْ مَاتَ أَبُو لَهَبٍ شَرَّ مِيتَةٍ خَارِجَ مَكَّةَ وَبَقِيَ مُلْقًى حَتَّى تَفَسَّخَ وَأَنْتَنَ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ بِأَيَّامٍ، وَهِيَ أَوَّلُ انْتِقَامِ اللهِ مِنْ عُتَاةِ قُرَيْشٍ وَتَصْدِيقُ وَعْدِهِ لِرَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (٤٤: ١٦) وَمِثْلُهَا الْوَعِيدُ فِي سُورَةِ الْعَلَقِ، وَقَدْ نَزَلَ فِي أَبِي جَهْلٍ وَصَدَقَ بِقَتْلِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ أَشَرَّ قِتْلَةٍ، وَفِي مَعْنَاهُمَا الْوَعِيدُ فِي سُورَةِ (الْمُدَّثِّرِ) مِنْ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ نَزَلَ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ يَشْمَلُ وَعِيدَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَدْ صَدَقَ وَوَقَعَ - فَهَذِهِ أَرْبَعُ سُوَرٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَوَسَطِهِ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِيهَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَدِّ الْعُتَاةِ الَّذِينَ بَارَزُوهُ الْعَدَاوَةَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ ذَلِكَ - مِمَّنْ كَانُوا يُنْكِرُونَهُ - مِنَ الْوَعِيدِ لَهُ وَالْوَعِيدِ لَهُمْ ; لِأَنَّهُ جُزْئِيَّاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُجْمَلَةٌ، لَا وَقَائِعُ فَاصِلَةٌ، فَهِيَ غَيْرُ مُرَادَةٍ بِالْعَشْرِ أَيْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>