للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِسُولُونَ (الْحَكِيمِ الْيُونَانِيِّ) إِنَّ السَّمَاءَ أَرْسَلَتْ طُوفَانًا غَيَّرَ وَجْهَ الْأَرْضِ فَهَلَكَ الْبَشَرُ مِرَارًا بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلَمْ يَبْقَ لِلْجِيلِ الْجَدِيدِ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَعَارِفِهِمْ.

وَأَوْرَدَ مَانِيتُونُ خَبَرَ طُوفَانٍ حَدَثَ بَعْدَ هَرْمَسَ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ بَعْدَ مِينَاسَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا أَقْدَمُ مِنْ تَارِيخِ التَّوْرَاةِ أَيْضًا.

وَرُوِيَ عَنْ قُدَمَاءِ الْيُونَانِ خَبَرُ طُوفَانٍ عَمَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا إِلَّا دُوكَالْيُونَ وَامْرَأَتَهُ بِيرَا فَقَدْ نَجَوْا مِنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ قُدَمَاءِ الْفُرْسِ طُوفَانٌ أَغْرَقَ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ بِمَا انْتَشَرَ فِيهَا مِنَ الْفَسَادِ وَالشُّرُورِ بِفِعْلِ (أَهْرَيْمَانَ) إِلَهِ الشَّرِّ، وَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطُّوفَانَ فَارَ أَوَّلًا مِنْ تَنُّورِ الْعَجُوزِ (زُولَ كُوفَهْ) إِذْ كَانَتْ تَخْبِزُ خُبْزَهَا فِيهِ، وَلَكِنَّ الْمَجُوسَ أَنْكَرُوا عُمُومَ الطُّوفَانِ وَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ خَاصًّا بِإِقْلِيمِ الْعِرَاقِ، وَانْتَهَى إِلَى حُدُودِ كُرْدِسْتَانَ.

وَكَذَا قُدَمَاءُ الْهُنُودِ يُثْبِتُونَ وُقُوعَ الطُّوفَانِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي شَكْلٍ خُرَافِيٍّ، آخِرُهَا أَنَّ مَلِكَهُمْ نَجَا هُوَ وَامْرَأَتُهُ فِي سَفِينَةٍ عَظِيمَةٍ أَمَرَهُ بِصُنْعِهَا إِلَهُهُ فِشْنُو وَشَدَّهَا بِالدُّسُرِ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى جَبَلِ جِيمَافَاتَ (حِمَلَايَا) وَلَكِنَّ الْبَرَاهِمَةَ كَالْمَجُوسِ يُنْكِرُونَ وُقُوعَ طُوفَانٍ عَامٍّ أَغْرَقَ

الْهِنْدَ كُلَّهَا. وَيُرْوَى تَعَدُّدُ الطُّوفَانِ عَنِ الْيَابَانِ وَالصِّينِ وَعَنِ الْبَرَازِيلِ وَالْمَكْسِيكِ وَغَيْرِهِمَا، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَتَّفِقُ فِي أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ عِقَابُ اللهِ لِلْبَشَرِ بِظُلْمِهِمْ وَشُرُورِهِمْ.

الْعِلَاوَةُ الثَّالِثَةُ:

(هَلْ كَانَ الطُّوفَانُ عَامًّا أَمْ خَاصًّا؟)

نَصُّ التَّوْرَاةِ - أَوْ سِفْرِ التَّكْوِينِ - أَنَّ الطُّوفَانَ كَانَ عَامًّا مُهْلِكًا لِجَمِيعِ الْبَشَرِ إِلَّا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ مِنْ أَبْنَائِهِ الثَّلَاثَةِ: سَامٍ وَحَامٍ وَيَافِثَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ غَيْرُهُمْ، بِحَسَبِ مَا سَبَقَ فِيهِ خَبَرُهُ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَاللهُ - تَعَالَى - يَقُولُ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ١٨: ٥١ أَمَّا قَوْلُهُ فِي نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ ذِكْرِ تَنْجِيَتِهِ وَأَهْلِهِ: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ٣٧: ٧٧ فَالْحَصْرُ فِيهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِضَافِيًّا، أَيِ الْبَاقِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) (٧١: ٢٦) فَلَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ هَذِهِ الْكُرَةُ كُلُّهَا، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَقْوَامِ وَفِي أَخْبَارِهِمْ أَنْ تُذْكَرَ الْأَرْضُ وَيُرَادَ بِهَا أَرْضُهُمْ وَوَطَنُهُمْ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ خِطَابِ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ١٠: ٧٨ يَعْنِي أَرْضَ مِصْرَ، وَقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا) (١٧: ٧٦) فَالْمُرَادُ بِهَا مَكَّةُ، وَقَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>