للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَلَالَةً عَلَيْهِ فَقَالَ: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) أَيْ: وَأَعْطَى الْمَالَ لِأَجْلِ حُبِّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَى حُبِّهِ إِيَّاهُ ; أَيِ: الْمَالَ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهَذَا الْإِيتَاءُ غَيْرُ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ الْآتِي، وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْبِرِّ وَوَاجِبٌ كَالزَّكَاةِ ; وَذَلِكَ حَيْثُ تَعْرِضُ الْحَاجَةُ إِلَى الْبَذْلِ فِي غَيْرِ وَقْتِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يَرَى الْوَاجِدُ مُضْطَرًّا بَعْدَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِصَابٌ مُعَيَّنٌ بَلْ هُوَ عَلَى حَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ إِلَّا رَغِيفًا وَرَأَى مُضْطَرًّا إِلَيْهِ فِي حَالِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ، وَلَيْسَ الْمُضْطَرُّ وَحْدُهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ، بَلْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنَ أَنْ يُعْطِي مِنْ

غَيْرِ الزَّكَاةِ (ذَوِي الْقُرْبَى) وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا احْتَاجَ وَفِي أَقَارِبِهِ غَنِيٌّ فَإِنَّ نَفْسَهُ تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ بِعَاطِفَةِ الرَّحِمِ، وَمِنَ الْمَغْرُوزِ فِي الْفِطْرَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَأْلَمُ لِفَاقَةِ ذَوِي رَحِمِهِ وَعَدَمِهِمْ أَشَدَّ مِمَّا يَأْلَمُ لِفَاقَةِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ يَهُونُ بِهَوَانِهِمْ وَيَعْتَزُّ بِعِزَّتِهِمْ، فَمَنْ قَطَعَ الرَّحِمَ وَرَضِيَ بِأَنْ يَنْعَمَ وَذَوُو قُرْبَاهُ بَائِسُونَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَالدِّينِ، وَبَعِيدٌ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ، وَمَنْ كَانَ أَقْرَبَ رَحِمًا كَانَ حَقُّهُ آكَدَ وَصِلَتُهُ أَفْضَلَ (وَالْيَتَامَى) فَإِنَّهُمْ لِمَوْتِ كَافِلِهِمْ تَتَعَلَّقُ كَفَالَتُهُمْ وَكِفَايَتُهُمْ بِأَهْلِ الْوُجْدِ وَالْيَسَارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَيْلَا تَسُوءَ حَالُهُمْ، وَتَفْسَدَ تَرْبِيَتُهُمْ فَيَكُونُوا مَصَائِبَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى النَّاسِ (وَالْمَسَاكِينَ) أَهْلُ السُّكُونِ وَالْعِفَّةِ مِنَ الْفُقَرَاءِ ; فَإِنَّهُمْ لَمَّا قَعَدَ بِهِمُ الْعَجْزُ عَنْ كَسْبِ مَا يَكْفِيهِمْ، وَسَكَنَتْ نُفُوسُهُمْ لِلرِّضَى بِالْقَلِيلِ عَنْ مَدِّ كَفِّ الذَّلِيلِ وَجَبَتْ مُسَاعَدَتُهُمْ وَمُوَاسَاتُهُمْ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ (وَابْنَ السَّبِيلِ) الْمُنْقَطِعُ فِي السَّفَرِ لَا يَتَّصِلُ بِأَهْلٍ وَلَا قَرَابَةٍ حَتَّى كَأَنَّ السَّبِيلَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَرَحِمُهُ وَأَهْلُهُ، وَهَذَا التَّعْبِيرُ بِمَكَانٍ مِنَ اللُّطْفِ لَا يَرْتَقِي إِلَيْهِ سِوَاهُ، وَفِي الْأَمْرِ بِمُوَاسَاتِهِ وَإِعَانَتِهِ فِي سَفَرِهِ تَرْغِيبٌ مِنَ الشَّرْعِ فِي السِّيَاحَةِ وَالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ (وَالسَّائِلِينَ) الَّذِينَ تَدْفَعُهُمُ الْحَاجَةُ الْعَارِضَةُ إِلَى تَكَفُّفِ النَّاسِ، وَأَخَّرَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ فَيُعْطِيهِمْ هَذَا وَهَذَا، وَقَدْ يَسْأَلُ الْإِنْسَانُ لِمُوَاسَاةِ غَيْرِهِ، وَالسُّؤَالُ مُحَرَّمٌ شَرْعًا إِلَّا لِضَرُورَةٍ يَجِبُ عَلَى السَّائِلِ أَلَّا يَتَعَدَّاهَا (وَفِي الرِّقَابِ) أَيْ: فِي تَحْرِيرِهَا وَعِتْقِهَا وَهُوَ يَشْمَلُ ابْتِيَاعَ الْأَرِقَّاءِ وَعِتْقِهِمْ وَإِعَانَةَ الْمُكَاتَبِينَ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِهِمْ وَمُسَاعَدَةَ الْأَسْرَى عَلَى الِافْتِدَاءِ، وَفِي جَعْلِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْبَذْلِ حَقًّا وَاجِبًا فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى رَغْبَةِ الشَّرِيعَةِ فِي فَكِّ الرِّقَابِ وَاعْتِبَارِهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ لِيَكُونَ حُرًّا إِلَّا فِي أَحْوَالٍ عَارِضَةٍ تَقْضِي الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْأَسِيرُ رَقِيقًا، وَأَخَّرَ هَذَا عَنْ كُلِّ مَا سَبَقَهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي تِلْكَ الْأَصْنَافِ قَدْ تَكُونُ لِحِفْظِ الْحَيَاةِ وَحَاجَةُ الرَّقِيقِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ حَاجَةٌ إِلَى الْكَمَالِ.

وَمَشْرُوعِيَّةُ الْبَذْلِ لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ لَا تَتَقَيَّدُ بِزَمَنٍ، وَلَا بِامْتِلَاكِ نِصَابٍ مَحْدُودٍ، وَلَا بِكَوْنِ الْمَبْذُولِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَمْلِكُ كَكَوْنِهِ عُشْرًا أَوْ رُبْعَ الْعُشْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>