للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَسْأَلُونَ عَلَيْهِ أَجْرًا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا لِأُولِي قُرْبَاهُمْ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي انْفَرَدَ بِطَلَبِ الْأَجْرِ لِأُولِي قُرْبَاهُ، (وَحَاشَاهُ) وَهَلْ يَسْعَى جَمِيعُ طُلَّابِ الدُّنْيَا إِلَّا لِذُرِّيَّاتِهِمْ؟ وَلِلتَّنَزُّهِ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ حَرَّمَ اللهُ - تَعَالَى - الصَّدَقَةَ عَلَى آلِ رَسُولِهِ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَمَنْ كَانَ يُوَالِيهِمْ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ إِخْوَتِهِمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ الَّذِينَ كَانُوا يُعَادُونَهُمْ، وَمُوَالَاةُ عَلِيٍّ وَآلِهِ وَاجِبَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهَا بِهَذَا التَّحْرِيفِ لِلْقُرْآنِ بِبَاطِلِ التَّأْوِيلِ لِلْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ اللَّاتِي هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ.

(السَّادِسَةُ: عِصْمَتُهُمْ صَلَوَاتُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا) :

مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ - ١٢ الْآيَةَ.

الْمُرَادُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ شَيْئًا لَا يُبَلِّغُهُ، (وَمِنْهَا) قَوْلُهُ حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ: - وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا - ٢٩ الْآيَةَ، وَالنَّفْيُ فِيهَا لِلشَّأْنِ، أَيْ: مَا كَانَ طَرْدُهُمْ مِنْ شَأْنِي، وَلَا مِمَّا يَقَعُ مِنْ نَبِيٍّ مِثْلِي، فَأَنَا مَعْصُومٌ مِنْ إِجَابَتِكُمْ إِلَيْهِ فَلَا تَطْمَعُنَّ فِيهَا، وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ (٣٠) الَّتِي بَعْدَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ الطَّرْدِ مِنْهُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ الَّتِي لَيْسَ مِنْ شَأْنِ فِعْلِهَا أَنْ يَقَعَ، (وَمِنْهَا) قَوْلُ شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ: - وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ - ٨٨ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ لَا يَنْتَهِي هُوَ عَنْهُ، فَهُوَ لَا يُخَالِفُ رِسَالَتَهُ فِي شَيْءٍ، إِذْ لَوْ خَالَفَهَا لَدَحَضَ حُجَّتَهُ، وَنَقَضَ دَعْوَتَهُ، (وَمِنْهَا) قَوْلُهُ لَهُمْ: - وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ - ٩٣ الْآيَةَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ أَمْرَ اللهِ - تَعَالَى - وَنَهْيَهُ لَهُمْ بِالتَّكَالِيفِ، وَوَعِيدَهُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَالْمَعْصِيَةِ

الشَّامِلَ لَهُمْ وَلِأَقْوَامِهِمْ وَالْخَاصَّ بِهِمْ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - لِنُوحٍ - إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ - ٤٦ وَاسْتِعَاذَةِ نُوحٍ بِهِ - تَعَالَى - مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَوْعِظَةِ وَقَوْلِهِ: - وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ - ٤٧ وَحِكَايَتَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا يَعْمَلُونَ وَمَا يَتْرُكُونَ - كُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ لَا اسْتِحَالَتُهُ، وَفِي بَعْضِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الذَّنْبِ بِالْفِعْلِ، وَمِنْهُ سُؤَالُ نُوحٍ رَبَّهُ نَجَاةَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ، وَكَوْنُهُ مِنْ سُؤَالِ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.

" قُلْتُ ": إِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَا سَمَّوْهُ عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ بِالْعَقْلِ لَا بِالنَّقْلِ، وَتَأَوَّلُوا الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِوُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ بَلْهَ الدَّالَّةِ عَلَى إِمْكَانِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى عِصْمَتِهِمْ أَنَّهَا كَعِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ مُنَافِيَةٌ لِطِبَاعِهِمْ، فَإِنَّ مِمَّا فُضِّلُوا بِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ بَشَرٌ كَسَائِرِ الْبَشَرِ جُبِلُوا عَلَى الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ، وَدَاعِيَةِ كُلٍّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالطَّاعَةِ، كَمَا عُلِمَ مِنْ قِصَّةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، وَلَكِنَّهُمْ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَالرَّجَاءِ فِيهِ وَالْحُبِّ لَهُ، يُرَجِّحُونَ الطَّاعَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِمَلَكَةٍ رَاسِخَةٍ فِيهِمْ، يَعْصِمُهُمُ اللهُ

-

<<  <  ج: ص:  >  >>