تَعَالَى - بِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ فِي التَّبْلِيغِ، وَمِنَ الْكِتْمَانِ لِشَيْءٍ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْهُ، وَمِنْ مُخَالَفَتِهِ، وَمِنَ الرَّذَائِلِ وَالْمَعَاصِي الْمُنَافِيَةِ لِلرِّسَالَةِ، الْمُبْطِلَةِ لِلْحُجَّةِ، دُونَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ، الَّذِي لَا يُخَالِفُ نَصَّ الْوَحْيِ، فَإِذَا وَقَعَ مِنْهُمْ بِهَذَا الِاجْتِهَادِ مَا كَانَ الْخَيْرُ وَالْكَمَالُ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللهِ خِلَافُهُ بَيَّنَهُ اللهُ لَهُمْ تَعْلِيمًا، وَعَلَّمَهُمْ مَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِهِمْ تَرْبِيَةً وَتَكْمِيلًا، وَمِنْهُ اجْتِهَادُ نُوحٍ الَّذِي رَجَّحَ لَهُ بِالْحَنَانِ الْأَبَوِيِّ جَوَازَ دُخُولِ ابْنِهِ الْكَافِرِ فِيمَنْ وَعَدَهُ اللهُ بِنَجَاتِهِمْ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ قَطْعِيٌّ مَمْنُوعٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ نَجَاةَ وَلَدِهِ فَأَجَابَهُ بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ، وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ أَخْذِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفِدَاءَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ (٨: ٦٧) وَتَفْسِيرِ عِتَابِهِ عَلَى الْإِذْنِ لِبَعْضِ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ (٩: ٤٣) .
(السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ) :
(كَمَالُ إِيمَانِهِمْ وَثِقَتُهُمْ بِاللهِ وَتَوَكُّلُهُمْ عَلَيْهِ وَشَجَاعَتُهُمْ وَيَقِينُهُمْ بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ) :
هَذِهِ الْمَزَايَا الثَّلَاثُ ظَاهِرَةٌ أَوْضَحُ الظُّهُورِ فِي كُلِّ قِصَّةٍ مِنْ قِصَصِهِمْ، إِذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَدِّي رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ وَسَطِ قَوْمٍ لِتَجْهِيلِهِمْ فِي تَقَالِيدِهِمُ الدِّينِيَّةِ الْمَوْرُوثَةِ وَدَعْوَتِهِمْ لِتَرْكِهَا إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا فِي حَقِّيَّتِهِ وَكَمَالِهِ، وَحَالِهِ وَمَآلِهِ، وَتَوْبِيخِهِمْ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا، وَإِنْذَارِهِمْ سُوءَ عَاقِبَتِهَا، وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِكُفْرِهِمْ بِهِ، وَسُخْرِيَتِهِمْ مِنْهُ وَتَهْدِيدِهِمْ لَهُ، وَمُقَابَلَتِهِ لِذَلِكَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، كَمَا تَرَى فِي الْآيَتَيْنِ (٣٨ و٣٩) مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ، وَمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ سُورَةِ يُونُسَ (١٠: ٧١) الَّتِي صَرَّحَ لَهُمْ فِيهَا بِاعْتِصَامِهِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَأَمَرَهُمْ بِإِجْمَاعِ أَمْرِهِمْ وَشُرَكَائِهِمْ وَالتَّثْبِيتِ فِيهِ وَالْقَضَاءِ إِلَيْهِ مِمَّا يَجْمَعُونَ عَلَيْهِ مِنْ عِقَابِهِ بِدُونِ إِنْظَارٍ وَلَا إِمْهَالٍ، وَفِي مَعْنَاهُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ الْآيَاتُ (٥٤ - ٥٧) .
(الْعَاشِرَةُ) : إِنْذَارُهُمُ الْأَخِيرُ لِأَقْوَامِهِمْ وُقُوعَ عَذَابٍ سَمَاوِيٍّ يُهْلِكُهُمْ، وَيَقْطَعُ دَابِرَ الْمُعَانِدِينَ الْمُصِرِّينَ عَلَى جُحُودِهِمْ وَظُلْمِهِمْ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَمَا بَلَّغُوهُمْ عَنِ اللهِ - تَعَالَى - بِلَا تَأْخِيرٍ وَلَا تَقْدِيمٍ، وَهُوَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ لِعِقَابِهِمْ بِهِ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) : احْتِجَاجُ الْمُتَأَخِّرِ مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ عَلَى قَوْمِهِ بِمَا وَقَعَ لِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمُ الْمَعْرُوفِينَ عِنْدَ قَوْمِهِ، كَمَا تَرَى فِي إِنْذَارِ شُعَيْبٍ قَوْمَهُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ (٨٩) وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ تَذْكِيرُ هُودٍ قَوْمَهُ بِقَوْمِ نُوحٍ قَبْلَهُمْ، ثُمَّ تَذْكِيرُ صَالِحٍ بِقَوْمِ هُودٍ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَقَدْ أَنْذَرَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمَهُ بِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ وَمَا حَلَّ بِهِمْ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بِأَمْرِهِ عِقَابًا لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِسُنَنِهِ - تَعَالَى - فِي الْأَسْبَابِ الْعَامَّةِ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي قِصَصِ الرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ وَمَا فِيهَا مِنْ أُصُولِ دِينِ اللهِ - تَعَالَى - " الْإِسْلَامُ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute