للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ سَهْلٍ مِنَ الْفَتْحِ: وَمَعْنَى الْآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ. وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدُ الْفَجْرِ مِنَ النَّهَارِ. وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ: الْمُرَادُ بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ اللَّيْلُ وَبِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ الْفَجْرُ الصَّادِقُ، وَالْخَيْطُ: اللَّوْنُ. (ثُمَّ قَالَ) : وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، فَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فَنَزَعَ تَمَّ صَوْمُهُ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ لَمْ يَفْسَدْ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ التَّبَيُّنُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللهُ لَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْتَ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ نَحْوَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ السُّحُورِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كُلْ حَتَّى لَا تَشُكَّ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا لَا يَقُولُ شَيْئًا، كُلْ مَا شَكَكْتَ حَتَّى لَا تَشُكَّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْصِي.

وَقَالَهُ ابْنُ بُزَيْزَةَ فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ: اخْتَلَفُوا هَلْ يَحْرُمُ الْأَكْلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بِتَبَيُّنِهِ عِنْدَ النَّاظِرِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ إِمْسَاكُ جُزْءٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمْ لَا؟ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ هَذَا الْبَحْثِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ. اهـ.

وَيَعْنِي الْحَافِظُ بِالْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ: إِنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : ((كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ; فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ)) قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمِا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ الرِّوَايَاتِ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِي السُّنَنِ النَّاطِقَةِ بِأَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الصِّيَامُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ ثُمَّ قَالَ:

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ بِهِ الْأَعْمَشُ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ إِلَى جَوَازِ السُّحُورِ إِلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْفَجْرُ، فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ

أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَاللهِ النَّهَارُ غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَاصِمٍ نَحْوَهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ مَنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مَنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ حَتَّى لَا يَرَى الْفَجْرَ، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحُ ثُمَّ قَالَ: الْآنَ حِينَ تَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَبَيُّنِ بَيَاضِ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ أَنْ يَنْتَشِرَ الْبَيَاضُ فِي الطُّرُقِ وَالسِّكَكِ وَالْبُيُوتِ، ثُمَّ حَكَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ. وَرَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَشْجَعِيِّ وَلَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: اخْرُجْ فَانْظُرْ هَلْ طَلَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>