الْفَجْرُ؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: قَدِ ابْيَضَّ وَسَطَعَ، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ هَلْ طَلَعَ؟ فَنَظَرْتُ فَقُلْتُ: قَدِ اعْتَرَضَ، فَقَالَ: الْآنَ أَبْلَغَنِي شَرَابِي. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا الشُّهْرَةُ لَصَلَّيْتُ الْغَدَاةَ ثُمَّ تَسَحَّرْتُ. قَالَ إِسْحَاقُ: هَؤُلَاءِ رَأَوْا جَوَازَ الْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ، لَكِنْ لَا أَطْعَنُ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ الرُّخْصَةَ كَالْقَوْلِ الثَّانِي وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءً وَلَا كَفَّارَةً (قُلْتُ) : وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى الْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَعْمَشُ وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.
(أَقُولُ) : وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مَنُوطًا بِمَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ بَدْوِهِمْ وَحَضَرِهِمْ بِالْحِسِّ كَمَوَاقِيتِ صَلَوَاتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَثُبُوتِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَإِلَّا فَبِإِكْمَالِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ - فَإِنَّ لَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَبَدْءِ الصِّيَامِ بَحْثَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) مَا بَسَطْنَاهُ مِنَ الْخِلَافِ فِي اتِّحَادِ أَوَّلِ وَقْتِهِمَا، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ بَدْءَ الصِّيَامِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ قَالَ بِاتِّحَادِهِمَا، وَهُمُ الْجُمْهُورُ إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ انْتِشَارَ الضَّوْءِ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ النَّهَارُ.
وَهَاهُنَا يَأْتِي (الْبَحْثُ الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّ ظُهُورَ الصُّبْحِ لِعَامَّةِ النَّاسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
اللَّيَالِي مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ ; فَإِنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي اللَّيَالِي الْمُقْمِرَةِ لَا يَظْهَرُ، وَيُرَى فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ فِي اللَّيَالِي الْمُظْلِمَةِ بَلْ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ فِي الْعِبَادَةِ بِرُؤْيَةِ الْفَجْرِ وَتَبَيُّنِ النَّهَارِ لَا بِحِسَابِ الْمُوَقِّتِينَ وَالْفَلَكِيِّينَ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ يُجْمِعُونَ عَلَى تَوَلُّدِ الْهِلَالِ وَوُجُودِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَا يَعْمَلُ أَحَدٌ بِحِسَابِهِمْ حَتَّى الَّذِينَ يُوقِنُونَ بِصِحَّتِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الشَّأْنِ وَلَوْ إِجْمَالِيًّا، وَمَنْ أَهْلِ الِاسْتِقْرَاءِ لِحِسَابَاتِهِمُ الدَّقِيقَةِ فِي السِّنِينَ الطِّوَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْفَجْرِ وَمَسْأَلَةِ الْقَمَرِ، فَلِمَاذَا يَتَّبِعُ جَمِيعُ أَهْلِ الْحَضَرِ الْمَدَنِيِّ حِسَابَهُمْ فِي الْفَجْرِ دُونَ الْهِلَالِ؟
إِنَّ نَصَّ الْآيَةِ يَنُوطُ بَدْءَ الصِّيَامِ بِأَنْ يَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ بَيَاضُ النَّهَارِ نَاصِلًا مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ بِحَيْثُ يَرَاهُ كُلُّ مَنْ وَجَّهَ نَظَرَهُ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ. وَقِيلَ: بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ فِي طُرُقِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ، فَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْأَذَانَيْنِ ((فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ)) وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ لَهُ هَذَا مَنْ يَكُونُونَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ وَيَظْهَرُ النَّهَارُ لَهُمْ، لَا أُنَاسٌ يَرْصُدُونَ الْفَجْرَ مِنْ مَنَارَةٍ أَوْ سَطْحٍ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى أَوَّلِ مَا يَرَوْنَهُ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ مِنِ انْتِشَارِ الضَّوْءِ الْمُسْتَطِيلِ الَّذِي يُسَمَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute