للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَوَلَدِهِ وَمَتَاعِهِ، عَالِمًا أَنَّ حِرْصَهَا عَلَى ذَلِكَ كَحِرْصِهِ; لِأَنَّ حَظَّهَا مِنْهُ كَحَظِّهِ، وَمَا كَانَ الْجَمَالُ الَّذِي يَرُوقُ الطَّرْفَ لِيُحَقِّقَ فِي الْمَرْأَةِ هَذَا الْوَصْفَ، وَلَكِنْ قَدْ يَمْنَعُهُ التَّبَايُنُ فِي الِاعْتِقَادِ، الَّذِي يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الرُّكُونُ وَالِاتِّحَادُ، وَالْمُشْرِكَةُ لَيْسَ لَهَا دِينٌ يُحَرِّمُ الْخِيَانَةَ، وَيُوجِبُ عَلَيْهَا الْأَمَانَةَ، وَيَأْمُرُهَا بِالْخَيْرِ، وَيَنْهَاهَا عَنِ الشَّرِّ، فَهِيَ مَوْكُولَةٌ إِلَى طَبِيعَتِهَا، وَمَا تَرَبَّتْ عَلَيْهِ فِي عَشِيرَتِهَا، وَهُوَ خُرَافَاتُ الْوَثَنِيَّةِ وَأَوْهَامُهَا، وَأَمَانِيُّ الشَّيَاطِينِ وَأَحْلَامُهَا، فَقَدْ تَخُونُ زَوْجَهَا، وَتُفْسِدُ عَقِيدَةَ وَلَدِهَا، فَإِنْ ظَلَّ الرَّجُلُ عَلَى إِعْجَابِهِ بِجَمَالِهَا، كَانَ ذَلِكَ عَوْنًا لَهَا عَلَى التَّوَغُّلِ فِي ضَلَالِهَا وَإِضْلَالِهَا، وَإِنْ نَبَا طَرْفُهُ عَنْ حُسْنِ الصُّورَةِ، وَغَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ اسْتِقْبَاحُ تِلْكَ السَّرِيرَةِ فَقَدْ يُنَغِّصُ عَلَيْهِ التَّمَتُّعَ بِالْجَمَالِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الْحَالِ.

وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ كَبِيرُ مُبَايَنَةٍ; فَإِنَّهَا تُؤْمِنُ بِاللهِ وَتَعْبُدُهُ، وَتُؤْمِنُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَبِالْحَيَاةِ الْأُخْرَى وَمَا فِيهَا مِنَ الْجَزَاءِ، وَتَدِينُ بِوُجُوبِ عَمَلِ الْخَيْرِ وَتَحْرِيمِ الشَّرِّ، وَالْفَرْقُ الْجَوْهَرِيُّ الْعَظِيمُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْإِيمَانُ بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَزَايَاهَا فِي التَّوْحِيدِ، وَالتَّعَبُّدِ وَالتَّهْذِيبِ، وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِالنُّبُوَّةِ الْعَامَّةِ لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِنُبُوَّةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ إِلَّا الْجَهْلُ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَكَوْنُهُ قَدْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ وَزِيَادَةٍ اقْتَضَتْهَا حَالُ الزَّمَانِ فِي تَرَقِّيهِ، وَاسْتِعْدَادِهِ لِأَكْثَرَ مِمَّا هُوَ فِيهِ، أَوِ الْمُعَانَدَةِ وَالْجُحُودِ فِي الظَّاهِرِ، مَعَ الِاعْتِقَادِ فِي الْبَاطِنِ، وَهَذَا قَلِيلٌ وَالْكَثِيرُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَيُوشِكُ أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَرْأَةِ مِنْ مُعَاشَرَةِ الرَّجُلِ حَقِّيَّةُ دِينِهِ وَحُسْنُ شَرِيعَتِهِ، وَالْوُقُوفُ عَلَى سِيرَةِ مَنْ جَاءَ بِهَا وَمَا أَيَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ فَيَكْمُلُ إِيمَانُهَا، وَيَصِحُّ إِسْلَامُهَا، وَتُؤْتَى أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُحْسِنَاتِ فِي الْحَالَيْنِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْحِكْمَةِ لَا تَظْهَرُ فِي تَزْوِيجِ الْكِتَابِيِّ بِالْمُؤْمِنَةِ، فَإِنَّهُ بِمَا لَهُ مِنَ السُّلْطَانِ عَلَيْهَا، وَبِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّعْفِ فِي بَيَانِ مَا تَعْلَمُ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهَا أَنْ تُقْنِعَهُ بِحَقِّيَّةِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، بَلْ يُخْشَى أَنْ يُزِيغَهَا عَنْ عَقِيدَتِهَا وَيُفْسِدَ مِنْهَا دُونَ أَنْ تُصْلِحَ مِنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنْ مُنَاكَحَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:

(أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أَشَارَ بِأُولَئِكَ إِلَى الْمَذْكُورِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ; أَيْ: مِنْ شَأْنِهِمُ الدَّعْوَةُ إِلَى أَسْبَابِ دُخُولِ النَّارِ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَصِلَةُ الزَّوَاجِ أَقْوَى مُسَاعِدٍ عَلَى تَأْثِيرِ الدَّعْوَةِ; لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَتَسَامَحَ مَعَهَا فِي شُئُونٍ كَثِيرَةٍ، وَكُلُّ تَسَاهُلٍ وَتَسَامُحٍ مَعَ الْمُشْرِكِ أَوِ الْمُشْرِكَةِ مَحْظُورٌ مَحْذُورُ الشَّرِّ بِمَا يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يَسْرِيَ شَيْءٌ مِنْ عَقَائِدِ الشِّرْكِ لِلْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ بِضُرُوبِ الشُّبَهِ وَالتَّضْلِيلِ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا الْمُشْرِكُونَ، كَقَوْلِهِمْ فِيمَنْ يَتَّخِذُونَهُمْ وُسَطَاءَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَالِقِ: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ) (١٠: ١٨) وَقَوْلِهِمْ: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى) (٣٩: ٣) فَهَذِهِ الشُّبْهَةُ هِيَ الَّتِي فُتِنَ بِهَا أَكْثَرُ الْبَشَرِ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا أَهْلُ شَرِيعَةٍ سَمَاوِيَّةٍ خَالَطُوا الْمُشْرِكِينَ وَعَاشَرُوهُمْ، فَقَدْ دَخَلُوا فِي الشِّرْكِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ; لِأَنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>