فغضب العرب حينئذ ووثب كل قبيلة على من فيها من المسلمين ويعذبونهم ويفتنونهم، ومنع الله رسوله بأبي طالب، وقام أبو طالب في بني هاشم داعيًا لهم على منع النبي صلى الله عليه وسلم والقيام دونه، فأجابوه إلا أبا لهب. وتوفى ورقة في الرابعة.
[خامسة] فلما اشتد أذاهم في المسلمين في السنة الخامسة خرج قوم إلى الحبشة بأمره صلى الله عليه وسلم، وستر الباقون إسلامهم، فنزل سورة النجم سجد وسجد معه المشركون، فبلغ أهل الحبشة أنهم آمنوا، فقدموا في شوال هذه السنة، ولما تحققوا عدم إيمانهم رجعوا، وعدد من خرج إليها نيف وثلاثون من الرجال وإحدى عشرة من النساء، وأصابوها خير دار وذات قرار، فأرسل قريش هدايا إلى النجاشي ووشوا إليه أمرهم بأنهم تركوا دين آبائهم ولم يتبعوا دينك ولا دين اليهود، فأرسل إليهم النجاشي واخبرهم بما قالوا، فقال جعفر: كنا بدينهم نقتل البنات ونطوف عريانا ونعبد أحجارًا - وذكر غيرها من الصفات الذميمة، فبعث الله إلينا رسولًا يأمرنا بالمعروف وينهانا عن الرذائل، فاتبعناه فأذونا، فخرجنا إلى بلدك بأمره، فسمع منه "كهيعص" وبكى وبكت أساقفته وقال: هذا وكلام موسى ليخرجان من مشكاة واحد! وأمن به، وفيه نزل "وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول". وفي هذه السنة عذبت سمية مولاة أبي حذيفة وهي أم عمار، طعنها أبو جعل في قبلها وماتت- رضي الله عنها! فهي أول شهيدة في الله.
[سادسة] وفي السادسة أسلم حمزة وعمر، وروى أن أبا جهل نال منه صلى الله عليه وسلم وشتمه وأذاه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت، فبلغ ذلك حمزة فاحتمله الغضب فضربه بقوسه وشجه وقال: أتشتمه وأنا على دينه! فأسلم، فعز الإسلام وكفوا عن بعض فعلهم. فلما أسلم عمر حملهم على الظهور، فخرجوا وأمامهم عمر ينادي بكلمة التوحيد وطافوا بالبيت وهم تسعة وثلاثون رجلًا،