للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما تم له أربعون سنة - وذا سنة عشرين من ملك كسرى برويز - أوحى إليه بحراء بـ "اقرأ باسم ربك" وعلمه الوضوء والصلاة ركعتين، فأتى خديجة فأمنت به وتوضأت وصلت، وهو يوم الاثنين لسبعة عشر من رمضان، أو لأربعة وعشرين منه، أو لثمانية عشر منه، أو كان في رجب يوم سبعة وعشرين، أو لثاني عشر من ربيع الأول؛ ثم فتر الوحي حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قبله بسنة أوحى إليه في المنام، ثم أسلم أبو بكر على المشهور، وقيل: علي؛ وأول من أسلم من الموالي زيد ثم بلال، وأبو بكر كان رجلًا سهلًا تاجرًا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه، فأسلم على يديه الزبير وعثمان وطلحة وسعد وعبد الرحمن.

[رابعة] وكان يدعو الناس سرًا ثلاث سنين إلى أن نزل "فاصدع بما تؤمر" في السنة الرابعة من نبوته فأظهر الدعاء به، فأجاب دعوته من أحداث الرجال والضعفاء حتى كثر من أمن به، وكفار قريش غير منكرين له وكانوا يقولون: إن غلام بني عبد المطلب ليكلم من السماء، حتى عاب الله آلهتهم وذكر هلاك آبائهم على الكفر، فأبغضوه وقالوا لأبي طالب: أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفه من ابن أخيك فمره أن يكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه، فكلمه أبو طالب فقال: يا عم! أو لا ادعوهم على كلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم! قال أبو جهل: ما هي وأبيك؟ لنعطينك وعشرة أمثالها! قال: لا إله إلا الله، فنفروا وغضبوا وقالوا: "اجعل الآلهة إلها واحدًا"، فقال أبو طالب: يا ابن أخي! إن قومك قد لجأوا بي وقالوا لي كذا وكذا فأبق عليّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق! فن صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه بدو وأنه خاذله وأنه ضعف عن نصرته، فقال: والله لا أترك هذا كيف ما فعلوا! ثم استعبر وبكى وولى، فناداه وقال: يا ابن أخي! افعل ما أحببت! فوالله ما أسلمك لشيء أبدًا!

<<  <  ج: ص:  >  >>