فتبينوا". وفيها هجر نساءه شهرًا. وفيها غزوة تبوك، وسببه أن قادمة من التجار ذكرت أن الروم جمعت جموعًا لقتال المسلمين، وأن هرقل رزق أصحابه رزق سنة وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وكان كاذبًا، كان الروم من أعظم الأعداء، فصرح بخروجه إليهم ليتأهبوا، وبعث إلى قبائل العرب وأمرهم بالصدقات، وجاء الصديق بكل ماله أربعة آلاف درهم، وجاء عمر بنصفه، وجهز عثمان ثلث الجيش، فخرج مع ثلاثين ألفًا وفيهم عشرة آلاف فرس، واستاذن المنافقون فأذن لهم، وأقبل ابن أبي بعسكره على ثنية الوداع معه حلفاؤه من اليهود والمنافقين، ثم تخلف عنه وقال: يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال إلى ما لا قبل له به، يحسب أنه اللعب وأن قتالهم كقتال العرب! وكأني أنظر إلى أصحابه غدًا مقرنين في الحبال! وخلف عليا على أهله فطعن فيه المنافقون، فخرج على فلحق به، فقال: كذب الطاعنون، أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى! فرجع، فأقام بتبوك شهرين وبعث هرقل رجلًا من غسان ينظر إلى صفته وغلى حمرة في عينيه وإلى خاتم النبوة وغيرها، فدعا قومه إلى تصديقه، فأبوا عليه حتى خافهم على ملكه، فأسلم سرًا وامتنع من القتال؛ فشاور صلى الله عليه وسلم في المسير إليهم، فقال عمر: إن كنت مأمورًا فسرن وغلا فللروم جموع كثيرة وقد أفزعتهم، فلو رجعت حتى يحدث الله فيه! فرجع من غير حرب. وأتاه هناك يحنة بن رؤية صاحب أيلة، فقبل الجزية. وأتاه أهل جربا واذرح، وأعطوه الجزية. ثم بعث خالدًا في أربعمائة فارس إلى أكيدر ملك دومة بدومة الجندل فأسره، وقتل أخاه حسان واستلب قباءه، فجعل الناس يتعجبون فقال: لمناديل سعد أحسن منه، فصالحه على الجزية وخلى سبيله. فرجع إلى المدينة ومر بمسجد الضرار الذي بناه بنو غنم من المنافقين حسدًا لمسجد بني عمرو بقباء لصلي فيه أبو عامر الراهب اللعين، فأمر بإحراقه بوحي أوحى إليه، فقدم المدينة في رمضان. فجاءه وفد ثقيف وأسلموا،