أبوابها لطلاب العلم من جميع البلدان فألفوا ميادينه فسيحة ومصادره متوفرة وأساليبه حديثة، وأتاحت لهم لقاء أساتذتهم فيها وكبار المستشرقين الوافدين عليها للمباحثة والمناقشة. وقصد بعض طلاب العلم من الشرقيين، ولاسيما العرب، تلك الجامعات وتخرجوا على أساتذتها بالعربية، فلم يكونوا بأقل علماً من تخرجوا على أساتذتنا في معاهدنا بل إن بعضهم استحدث مذاهب تركت في حياتنا الفكرية أثراً عميقاً بعيداً.
وعرفت الجامعة المصرية قدر المستشرقين، فاستدعتهم، من مختلف بلدانهم، أساتذة في كلياتها. وفي ذلك يقول الدكتور طه حسين:"إنه كان لسنة ١٩١٥ في مصر مذهبان في درس الأدب: أحدهما مذهب القدماء، والآخر مذهب الأوربيين استحدثته الجامعة المصرية بفضل الأستاذ نللينو ومن زامله وخلفه من المستشرقين مثل جوبدي وفييت، وقد عهدت إليهم يدرس تاريخ الأدب فدرسوه بمناهجهم الحديثة فعلموا الطلاب كيف يبحثون ... وعلمت الجامعة في الحرب الكبرى وعجزت عن دعوة المستشرقين، وأضافت درس تاريخ الأدب فلم توفق ... وكيف تتصور أستاذاً للأدب العربي لا يلتم ولا ينتظر أن يلم بما انتهى إليه الفرنج من النتائج العلمية المختلفة حين درسوا تاريخ الشرق، وأدبه، ولغاته المختلفة. وإنما يلتمس العلم الآن عند هؤلاء الناس، ولابد من التماسه عندهم حتى يتاح لنا نحن أن ننهض على أقدامنا ونطير بأجنحتنا ونسترد ما غلبنا عليه هؤلاء الناس من علومنا وتاريخنا وآدابنا"(١).
ومن زاملوا نللينو أو خلفوه: دي جالارثا، وجاك بيرين، وارمان آبل، وسانتيلانا، وماسينيون، وشاده، وشاخت، وبرجشراسر، وتوماس أرنولد، وكازانوفا، وار بري، وكراوس، وفارمر، وكرزويل، وجروهمان، وليمان، فحاضروا بالعربية الفصحى وبغيرها من اللغات - في الأدب العربي، وفقه اللغة العربية، والجغرافيا، والفلاك، والتاريخ الإسلامي، وتاريخ الفلسفة، والتصوف، والوثائق، والفن، والعمارة، والموسيقى العربية، وفي غيرها.