رومة وآسيا وغاليا وإسبانيا فأنشأت لها الرحاب وبنت على جوانبها الفنادق، وشيدت بفضلها مدارس للطب والبلاغة والفلسفة ورفعت دار الندوة والهياكل - ومن أفخمها هيكل الشمس (٣٠ م) الذي حملت إليه حجارة الغرانيت من شلال النيل وجعل طول بهوه أربعة آلاف قدم فكان أكبر الأبهاء في الإمبراطورية الرومانية - والأبراج وزينت شوارعها المرصوفة المسقوفة المضاءة في الليل بالعمد المزخرفة فبلغ طول شارعها الرئيسي أربعة أميال ونصف ميل، وعدد عمده ٣٧٥ عموداً، ارتفاع كل منها ٥٥ قدماً، مما يدل على علم وفن وبذخ أدهش بعض المؤرخين المسلمين فنسبوا بناء تدمر إلى الجن بأمر سليمان.
وكانت زنوبيا، المتضلعة من الثقافة الهليستينية، والمتكلمة باليونانية والآرامية والعربية وبعض اللاتينية، ولها مصنف في تاريخ بلدان الشرق، تعيش في بلاط أشبه بإيوان كسرى وتحط نفسها بالفلاسفة والعلماء والشعراء وأصحاب الفنون فاشتهر منهم: لونجينوس، أستاذها في الأدب ثم مستشارها، وقد لقب بالمكتبة الحية لغزارة علمه. وأميليوس الفيلسوف الذي أنشأ برعايتها في أفاميا مركزاً للأفلاطونية الحديثة. ونيقولاس الدمشقي مؤلف التاريخ العام، فمزجت تدمر بين الحضارات السورية والفارسية وبين الهليستينية التي انعكست عليها من مدارس رودس وأثينة والإسكندرية وبيروت وأنطاكية، وأضافت إليها ما عاد به أبناؤها الذين كان الرومان يصطنعوهم منذ القرن الأول للميلاد، رماة في شمالي أفريقيا وبريطانيا، حضارة فريدة، ظلت حتى القرن الثالث للميلاد تسجلها بالآرامية إلى جانب اليونانية.
[٤ - بصري]
وكانت حوران، وهي على مشارف سوريا، خاضعة للأتباط فوضعها أغسطس تحت حكم هيرودس وجعل تراجان (١) مدينتها بصري - ومعناها الوعر
(١) أنشأ أسطولا في البحر الأحمر للسيطرة على تجارة الهند، حتى إذا دخلت سفن الرومان المحيط الهندي فيما بعد، طفقت دول التجارة. اليمن، والبتراء، وتدمر، وبصري، والحيرة تسقط الواحدة تلو الأخرى ثم تلاها تدهور سياسي.