ولما حاصروا فيينا (١٦٨٣) للتدخل في سياسة أوربا جاءت بداية نهايتهم: فخسروا المجر (١٦٨٦) واستولى النمسويون على بلغراد (١٦٨٨) واستعادها العثمانيون (١٦٩٠) وانتصروا على النمسا وروسيا (١٧٣٥ - ١٧٣٩) ثم ضعفوا فانسلخت الجزائر عنهم (١٨٣٠) وتونس (١٨٨١) ومراكش (١٩٠١) إلا أن سلطنتهم كانت من أطول الدول الإسلامية عمراً ارتقى عرشها ستة وثلاثون سلطاناً من صلب عثمان (١٣٠٠ - ١٩٢٢).
[١٣ - طرق التجارة]
ومرة أخرى لم يسدل الستار، إنما رفعته الاكتشافات بحيث كاد يسفر عن العالم قاطبة في سلع تنقلها البواخر وتفرضها المدافع:
[(أ) في الشرق الأدنى]
لقد كان للحملات الصليبية شأن كبير في استئناف التجارة الواسعة بين الشرق والغرب، وفتح الأسواق الدولية لها، وقيام المصارف بتمويلها، وتنظيم الحكومات قوانينها تنظيماً دقيقاً. ولعل أولى المفردات العربية في التجارة الأوربية قبل القرن العاشر الميلادي التعريفة والمخرن إلخ. وأقدم نقود الفرنجة الذهبية تلك التي ضربها البنادقة في القدس وعليها كتابة عربية، وأول قنصل لجنوى في عكا (١١٨٠) وقد بعث صلاح الدين الأيوبي إلى الخليفة بكتاب (١١٨٣) يبرر فيه تشجيع هذه التجارة بقوله: ومن هؤلاء الجيوش البنادقة والبياشنة والجنوية ... وما منهم إلا من هو الآن يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده ويتقرب إلينا بإهداء طرائف أعماله وبلاده. وكلهم قررت معهم المواصلة (١). وعقد صلاح الدين مع البنادقة والجنويين اتفاقات لتوريد السفن والخشب والسلاح والذخيرة - ولطالما سخط البابا على هذه التجارة وحرمها فلم يفلح - ولما عطلت غزوات المغول الطرق البرية بين أوربا وآسيا، في القرن الثالث عشر، تحولت تجارة الهند والصين والموصل والخليج العربي وشمالي أفريقيا إلى ثغور مصر ولبنان وسوريا