وفي مطلع القرن الثامن عشر تعلم الألمان اللغات الشرقية في هولندا. ولما رجعوا إلى ألمانيا وعلموها في جامعاتها أخرجوها من نطاق التوراة التي ضرب حولها ردحاً من الزمن إلى ميدان الثقافة العامة. ومن مشهوريم رايسكه (١٧١٦ - ١٧٩٧) في جامعة ليبزيج، وجوستاف تيخسن (١٧٣٤ - ١٨١٥) في جامعة روستوك.
وكانت النمسا على صلات سياسية وتجارية مع الدولة العثمانية منذ الإمبراطور فردينان الأول. فأنشأت الإمبراطورة ماريا تيريزيا مدرسة للغات الشرقية في فيينا (١٧٥٣) بلغ ازدهارها ألمانيا فقبست منها. حتى إذا اتصلت ألمانيا بالشرق اتصال سياسة وتجارة تشبهت بالنمسا وفرنسا وأنشأت على غرارهما مدرسة اللغات الشرقية في برلين (١٨٨٧) وجمعت مخطوطاتها في مكتباتها.
وفي مطلع القرن التاسع عشر حلَّت فرنسا محل هولندا بفضل العلامة دي ساسي أستاذ العربية والفارسية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس الذي جدد الدراسات العربية، ولاسيما علمي الصرف والنحو، في أوربا جمعاء. فقصده الألمان، قصد غيره، وتتلمذوا عليه، وتأثروا به، ومن أشهرهم: فلايشر (١٨٠١ - ١٨٨٨) وإيفالد (١٨٠٣ - ١٨٧٥) فعدا مؤسسي الدراسات العربية في ألمانيا. وقد أصبح فلايشر أستاذاً للغات الشرقية في جامعة ليبزيج، وايفالد أستاذاً لها في جامعة جوتنجين. وتخرج فيهما عليهما كبار المستشرقين الذين علموها مع اللغات الشرقية والدراسات الإسلامية في الجامعات، وفهرسوا لمخطوطاتها في المكتبات، ونظموا متاحفها، وأسسوا مطابعها وجمعياتها ومجلاتها، ونشروا عنها المجموعات، فأسهموا في توسيع آفاق تاريخ الشرق بحل رموز لغاته البائدة، والمقارنة بين الحية منها، وفي تقييم التراث العربي والإسلامي من تأثره وتأثيره، وفي تعريفه على نطاق عالمي. يضاف إلى ذلك أن الشرقيين الذين أخذوا النقد التاريخي، فيما أخذوه عنهم من علم، ابتدعوا مذاهب فكرية أحدثت أثرها في بلدانهم.